المنافقون زوج النبي (صلى الله عليه وآله)، وأثاروا به حولها الفضيحة حتى عصفت بقلب الرسول الريبة، من ذا الذي لا يدرك أن هذه المدة التي تصرمت على الحادثة من غير أن يتلقى النبي خلالها وحيا، كانت أثقل عليه من سنين طويلة، بعد أن خاض المنافقون في زوجه خوضا باطلا؟ فما بال النبي الذي كان فريسة للشك والقلق يظل صامتا ينتظر واجما يتربص حتى نزلت آيات سورة النور تبرئ أم المؤمنين؟
وما له لا يسرع إلى التدخل في أمر السماء - إذا كان الوحي نفسيا - فيرتدي مسوح الرهبان، ويهئ الأسجاع ويطلق البخور، ويبري زوجه من قذف القاذفين؟
ولقد كان النبي يتحرق شوقا إلى تحويل القبلة إلى الكعبة، وظل يقلب وجهه في السماء ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، لعل الوحي ينزل عليه بتحويل القبلة إلى البيت الحرام، ولكن رب القرآن لم ينزل في هذا التحويل قرآنا رغم تلهف رسوله الكريم إليه، الا بعد قرابة عام ونصف العام: ﴿قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام...﴾ (1).
فلماذا لم يسعف النبي بوحي عاجل يحقق ما يصبو إليه ويتمناه؟
إن الوحي ينزل ويكثر على محمد (صلى الله عليه وآله) حين يشاء رب محمد (صلى الله عليه وآله) ويفتر إذا شاء له رب محمد (صلى الله عليه وآله) الانقطاع، فما تنفع التعاويذ والأسجاع، ولا تقدم عواطف محمد (صلى الله عليه وآله) ولا تؤخر في أمر السماء.
وحين نلتفت إلى هذه الاشكال الثلاثة بصورها المختلفة، ونضيف إليها البعدين الآخرين السالفين، لا يبقى لدينا مجال لأي تردد في شأن حقيقة الظاهرة القرآنية، وانفصالها عن الذات المحمدية، وبطلان الوحي النفسي وما إليه من شبهات قد تثار.