ويحمي حتى يشعر انه يكثر عليه، وقد يفتر عنه بل وينقطع وهو يشعر أنه أحوج ما يكون إليه.
فقد كان الوحي ينزل على قلبه صلوات الله عليه في أحوال مختلفة:
أنه ليأوي إلى فراشه فما يكاد يغفو إغفاءة حتى ينهض ويرفع رأسه مبتسما، فقد أوحيت إليه سورة الكوثر (الخير الكثير) وانه ليكون وادعا في بيته وقد بقي من الليل ثلثه، فتنزل عليه آية التوبة في الثلاثة الذين خلفوا: ﴿لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم انه بهم رؤوف رحيم * وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا ان لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم﴾ (١).
إن الوحي لينزل على قلب النبي في الليل الدامس والنهار الأضحيان وفي البرد القارس أو لظى الهجير، وفي استجمام الحضر أو أثناء السفر، وفي هدأة السوق أو وطيس الحرب.
ثم ها هو ذا الوحي ينقطع عن النبي، وهو أشد ما يكون إليه شوقا وله طلبا، فبعد أن نزل عليه جبريل بأوائل سورة العلق: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾ (2) فتر الوحي ثلاث سنوات فحزن النبي. ثم حمى الوحي وتتابع فاستبشر النبي وتبدل انتظاره الحزين فرحة غامرة، وأيقن أن هذا الوحي الذي استعصى عليه ولم يوافه طوع ارادته، مستقل عن ذاته خارج عن فكره، فاستقر في ضميره الواعي أن مصدر هذا الوحي هو الله علام الغيوب.
ومن ذا الذي ينسى كيف ابطأ الوحي بعد (حديث الإفك) الذي رمى به