يدعو أحد الكتبة فورا ليدون ما نزل من القرآن، وأما أحاديثه الأخرى وحتى الأحاديث القدسية فكان يترك أمرها للمسلمين ليحفظوها بطريقتهم الخاصة.
الشكل الثاني:
يبدو النبي في القرآن الكريم بمظهر الخائف من ضياع بعض الآيات القرآنية ونسيانها، الامر الذي كان يدعوه إلى أن يعجل بقراءة القرآن، قبل أن يقضى إليه وحيه ويأخذ بترديده ويجهد نفسه وفكره من اجل ان لا يفوته شئ من ذلك، ويتضح هذا في قوله تعالى: ﴿... ولا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما﴾ (١)، ومن اجل ذلك يطمئنه سبحانه ويتعهد له بحفظه وجمعه: ﴿لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه﴾ (2).
ولا يسعنا ازاء هذه الحقيقة إلا أن نعترف باستقلال ظاهرة الوحي عن ذات النبي استقلالا مطلقا، وتفردها عن العوامل النفسية تفردا كاملا، فالنبي لا يملك حتى استخدام ذاكرته في حفظ القرآن، بل الله يتكفل بتحفيظه إياه، وقانون التذكر نفسه بطل الان سحره وعفا اثره تجاه إرادة الله. فكيف لا يعي النبي - بعد هذا كله - الفرق العظيم بين ذاته المأمورة وذات الله الامرة وهو يرى بنفسه أنه لا يملك من أمر نفسه شيئا؟!
الشكل الثالث:
يبدو النبي من خلال تأريخ نزول القرآن أنه كان مقتنعا بأن التنزيل القرآني مصحوب بانمحاء ارادته الشخصية، وأنه منسلخ عن الطبيعة البشرية حتى ما بقي له عليه الصلاة والسلام اختيار فيما ينزل إليه أو ينقطع عنه، فقد يتتابع الوحي