والواقع ان النصوص والروايات التي جاءت تتحدث عن قصة الجمع ليست متفقة على صيغة واحدة ولا على مضمون واحد، فهي تنسب الجمع إلى اشخاص مختلفين، كما انها تختلف في زمان الجمع وطريقته والعهد الذي تم فيه (1).
وهي من اجل ذلك كله لا يمكن الاخذ بمضمونها الفعلي للتعارض الذي يسقطها عن الاعتبار والحجية - كما ذكر علماء الأصول - وانما يمكن ان نفسر وجودها بأحد تفسيرين:
الأول: أن هذه الروايات جاءت بصدد الحديث عن جمع القرآن بشكل (مصحف) منتظم الأوراق والصفحات، الامر الذي تم في عهد الصحابة، وليست بصدد الحديث عن عملية أصل تدوين وجمع القرآن بمعنى كتابته عن بعض الأوراق المتفرقة أو صدور الرجال كما تشير إليه بعض هذه الأحاديث.
وهذا التفسير يقوم على أساس فرض الالتزام بصحة المضمون الاجمالي الذي تؤكده الروايات بأكملها وهو حدوث عملية جمع للقرآن الكريم بعد النبي (صلى الله عليه وآله).
الثاني: أن هذه الروايات انما هي قصص وضعت في عهود متأخرة عن عهد الصحابة لاشباع رغبة عامة لدى المسلمين في معرفة كيفية جمع القرآن. ونحن نعرف من دراستنا للتأريخ الاسلامي أن حركة أدبية واسعة ظهرت في التأريخ الاسلامي لتفسير الوقائع والاحداث التي عاشها المسلمون في الصدر الأول على شكل قصة تتسم بالحيوية والبراعة والإثارة، بل امتد ذلك إلى الاحداث الجاهلية، والقصة حين بدأت فإنما بدأت تعيش الاطار الديني وكان ذلك في أواخر عهد الصحابة وتطورت في عهد التابعين ونمت في عصور متأخرة واعتمدت بشكل رئيس على الإسرائيليات وعلى الوضع والخيال الذي يحاول ان يحقق أغراضا اجتماعية أو سياسية أو نفسية أو ثقافية معينة.