أخرى من حيث النسب، وإذا كان الله سبحانه قد خلق كل قبيلة وأولاها خصائص ووظائف معينة فإنما ذلك لحفظ نظم حياة الناس الاجتماعية! لأن هذه الاختلافات مدعاة لمعرفة الناس، فلو كانوا على شاكلة واحدة ومتشابهين لساد الهرج والمرج في المجتمع البشري أجمع.
وقد اختلف المفسرون في بيان الفرق بين " الشعوب " جمع شعب - على زنة صعب - (الطائفة الكبيرة من الناس) و " القبائل " جمع قبيلة فاحتملوا احمالات متعددة:
قال جماعة إن دائرة الشعب أوسع من دائرة القبيلة، كما هو المعروف في العصر الحاضر أن يطلق الشعب على أهل الوطن الواحد.
وقال بعضهم: كلمة " شعوب " إشارة إلى طوائف العجم، وأما " القبائل " فإشارة طوائف العرب.
وأخيرا فإن بعضهم قال بأن " الشعوب " إشارة إلى انتساب الناس إلى المناطق " الجغرافية " و " القبائل " إشارة إلى انتسابهم إلى العرق والدم.
لكن التفسير الأول أنسب من الجميع كما يبدو! وعلى كل حال فإن القرآن بعد أن ينبذ أكبر معيار للمفاخرة والمباهات في العصر الجاهلي ويلغي التفاضل بالأنساب والقبائل يتجه نحو المعيار الواقعي القيم فيضيف قائلا: إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
وهكذا فإن القرآن يشطب بالقلم الأحمر على جميع الامتيازات الظاهرية والمادية، ويعطي الأصالة والواقعية لمسألة التقوى والخوف من الله، ويقول إنه لا شئ أفضل من التقوى في سبيل التقرب إلى الله وساحة قدسه.
وحيث أن " التقوى " صفة روحانية وباطنية ينبغي أن تكون قبل كل شئ مستقرة في القلب والروح، وربما يوجد مدعون للتقوى كثيرون والمتصفون بها قلة منهم، فإن القرآن يضيف في نهاية الآية قائلا: إن الله عليم خبير.