واحتمل بعض المفسرين احتمالا آخر لهذه الجملة المذكورة آنفا وهي أن الله نهى المؤمنين أن يرضوا بأسماء الفسق والجاهلية لأنفسهم بسبب سخرية الناس ولتحاشي استهزائهم.
ولكن مع الالتفات إلى صدر الآية وشأن النزول المذكور يبدو أن التفسير الأول أقرب.
وتختتم الآية لمزيد التأكيد بالقول: ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون.
وأي ظلم أسوأ من أن يؤذي شخص بالكلمات اللاذعة و " اللاسعة " والتحقير واللمز قلوب المؤمنين التي هي " مركز عشق " الله وأن يطعن في شخصياتهم ويبتذل كرامتهم التي هي أساس شخصيتهم.
ماء وجوههم الذي هو أساس حياتهم الأهم.
وقلنا إن في كل من الآيتين - محل البحث - ثلاثة أحكام في مجال الأخلاق الاجتماعية. فالأحكام الثلاثة في الآية الأولى هي " عدم السخرية " و " ترك اللمز " و " ترك التنابز بالألقاب ".
والأحكام الثلاثة في الآية الثانية هي " اجتناب سوء الظن " و " التجسس " و " الاغتياب ".
في هذه الآية يبدأ القرآن فيقول: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم.
والمراد من " كثيرا من الظن " الظنون السيئة التي تغلب على الظنون الحسنة بين الناس لذلك عبر عنها ب " الكثير " وإلا فإن حسن الظن لا أنه غير ممنوع فحسب، بل هو مستحسن كما يقول القرآن في الآية (12) من سورة النور: لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا.
ومما يلفت النظر أنه قد نهي عن كثير من الظن، إلا أنه في مقام التعليل تقول الآية: إن بعض الظن إثم ولعل هذا الاختلاف في التعبير ناشئ من أن الظنون