ثم إن كون أهل الجنة متقابلين مع بعضهم البعض، وزوال أي تفاوت وتكبر لأحد على آخر، إشارة إلى روح الأنس والأخوة التي تسود مجالسهم، تلك المجالس والحلقات التي لا يرى فيها إلا الصفاء والمودة وتسامي الروح.
وتصل النوبة في النعمة الرابعة إلى أزواجهم، فتقول: كذلك وزوجناهم بحور عين.
" الحور " جمع حوراء وأحور، وتقال لمن اشتد سواد عينه، واشتد بياض بياضها. و " العين " جمع أعين وعيناء، أي أوسع العين، ولما كان أكثر جمال الإنسان في عينيه، فإن الآية تصف عيون الحور العين الجميلة الساحرة. وقد ذكرت محاسنهن الأخرى بأسلوب رائع في آيات أخرى من القرآن.
ثم تناولت الآية الأخرى النعمة الخامسة لأصحاب الجنة فقالت: يدعون فيها بكل فاكهة آمنين فلا توجد في الجنة تلك هنا المشكلات والصعوبات التي كانوا يعانونها في تناول فاكهة الدنيا، فإنها قريبة منهم وفي متناولهم، وعلى هذا فليس هناك بذل جهد لاقتطاف الأثمار من الأشجار العالية، إذ قطوفها دانية (1).
وإليهم يرجع اختيار الفاكهة التي يشتهونها: وفاكهة مما يتخيرون (2).
ولا أثر هنا للأمراض والاضطرابات التي قد تحدث في هذه الدنيا على أثر تناول الفواكه، وكذلك لا خوف من فسادها وقلتها، فهم في راحة وأمن واطمئنان من الجهات.
وعلى أية حال، فإذا كان الزقوم طعام أهل النار الذي يغلي في بطونهم كغلي الحميم، فإن طعام الجنة هي الفواكه اللذيذة الخالية من كل أذى وإزعاج.
خلود الجنة ونعمها هي النعمة السادسة من نعم الله سبحانه على المتقين، لأن الذي يقلق فكر الإنسان عند الوصال واللقاء هو خوف الفراق، ولذلك تقول الآية: