أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا إشارة إلى أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يقوم بهذا العمل من عند نفسه، وإنما هو مأمور من قبل الله تعالى.
وإذا كانت الآية السابقة قد ركزت على الإنذار فقط، فلأن الحديث كان حول الجاهلين المعاندين الذين هم كالأموات المقبورين الذين لا يتقبلون أي حديث، أما هذه الآية فإنها توضح بشكل كامل، وظيفة الأنبياء الثنائية الهدف " البشارة " و " الإنذار "، مؤكدة في آخرها من جديد على " الإنذار " لأن الإنذار هو القسم الأساس من دعوة الأنبياء في قبال المشركين والظلمة.
" خلا ": من (الخلاء) وهو المكان الذي لا ساتر فيه من بناء ومساكن وغيرهما، والخلو يستعمل في الزمان والمكان، ولأن الزمان في مرور، قيل عن الأزمنة الماضية " الأزمنة الخالية " لأنه لا أثر منها، وقد خلت الدنيا منها.
وعليه فإن جملة وإن من أمة إلا خلا فيها نذير بمعنى أن كل أمة من الأمم السالفة كان لها نذير.
والجدير بالملاحظة، طبقا للآية أعلاه، أن كل الأمم كان فيها نذير إلهي، أي كان فيها نبي، مع أن البعض تلقى ذلك بمعنى أوسع، بحيث يشمل العلماء والحكماء الذين ينذرون الناس أيضا، ولكن هذا المعنى خلاف ظاهر الآية.
على كل حال، فليس معنى هذا الكلام أن يبعث في كل مدينة أو منطقة رسول، بل يكفي أن تبلغ دعوة الرسل وكلامهم أسماع المجتمعات المختلفة، إذ أن القرآن يقول: خلا فيها نذير ولم يقل " خلا منها نذير ".
وعليه فلا منافاة بين هذه الآية التي تقصد وصول دعوة الأنبياء إلى الأمم، مع الآية (44) من سورة سبأ والتي تقول: وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير والتي يقصد منها كون المنذر منهم.
ويضيف تعالى في الآية التالية: وإن يكذبوك فلا عجب من ذلك، ولا تحزن بسبب ذلك، لأنه فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات