وبعث إليه بالسلام وأبقى رسالته وذكراه خالدتين في العالمين، عليكم أن تسيروا على خطاه.
وفور ما نصل إلى الصفا والمروة ونشاهد أفواجا أفواجا من الناس تنساب من هذا التل الصغير إلى ذلك التل الأصغر، وتعود مرة أخرى من هنا إلى هناك، وتكرر هذا العمل من دون أن تحصل على شئ، وأحيانا تهرول وأحيانا أخرى تمشي، ومن الطبيعي أن يثير هذا العمل العجب، فماذا يفعل هؤلاء هنا، وما هي المفاهيم التي يحملها هذا العمل؟
إلا أننا لو رجعنا إلى الوراء، واستذكرنا الجهود التي بذلتها تلك المرأة المؤمنة (هاجر) لإنقاذ حياة ابنها الرضيع (إسماعيل) في تلك الأرض القاحلة والحارقة، وكيف أن الله سبحانه وتعالى أعطاها ما تريد بعد جهدها وسعيها، عندما فجر عين زمزم من تحت رجلي ولدها الرضيع، فجأة ترجع بنا عجلة الزمن إلى الوراء، ويكشف لنا عن الحجب، ونشاهد أنفسنا في تلك اللحظة واقفين قرب هاجر (عليها السلام)، فنشترك معها في السعي والجهد، لأن الذي لا يسعى ولا يبذل الجهد في سبيل الله، لا يصل إلى نتيجة.
وبسهولة نستطيع تلخيص ما قلناه، وهو أن الحج يجب أن يقترن بتعلم هذه الرموز، وتتجسد ذكريات إبراهيم وابنه وزوجته خطوة خطوة، كي يدرك الحاج فلسفة الحج وتشع أنوار آثاره الأخلاقية العميقة في نفوس الحجيج، فبدون تلك المعاني والدروس يكون الحج مجرد قشر ليس أكثر.
* * *