ثم تتطرق الآية الأخرى إلى بيان حال طائفة أخرى من هؤلاء المنافقين مرضى القلوب، والذين كانوا أخبث وأفسق من الباقين، فمن جانب تقول الآية عنهم: واذكر إذ قالت مجموعة منهم للأنصار: يا أهل المدينة (يثرب) ليس لكم في هذا المكان موقع فلا تتوقفوا هنا وارجعوا إلى بيوتكم: وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا.
وخلاصة الأمر أنكم لا تقدرون على عمل أي شئ في مقابل جحفل الأعداء اللجب، فانسحبوا من المعركة ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وبنسائكم وأطفالكم إلى ذل الأسر، وبذلك كانوا يريدون أن يعزلوا الأنصار عن جيش الإسلام.
ومن جانب آخر: ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا.
كلمة (عورة) مأخوذة من مادة (عار)، وتقال للشئ الذي يوجب ظهوره العار، وتقال أيضا للشقوق والثقوب التي تظهر في اللباس أو جدران البيت، وكذلك للثغور الضعيفة والنقاط الحدودية التي يمكن اختراقها وتدميرها، وعلى ما يخافه الإنسان ويحذره، والمراد هنا البيوت التي ليس لها جدار مطمئن وباب محكم، ويخشى عليها من هجوم العدو.
والمنافقين بتقديمهم هذه الأعذار كانوا يريدون الفرار من ساحة الحرب واعتزال القتال، واللجوء إلى بيوتهم.
وجاء في رواية: أن طائفة " بني حارثة " أرسلوا رسولا منهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وقالوا: إن بيوتنا غير مأمونة، وليس هناك بيت من بيوت الأنصار يشبه بيوتنا، ولا مانع بيننا وبين " غطفان " الذين هجموا من شرق المدينة، فائذن لنا أن نرجع إلى بيوتنا وندافع عن نسائنا وأولادنا، فأذن لهم النبي.
فبلغ ذلك " سعد بن معاذ " كبير الأنصار، فقال للنبي (صلى الله عليه وآله): لا تأذن لهم، فإني أقسم بالله أن هؤلاء القوم تعذروا بذلك كلما عرضت لنا مشكلة، إنهم يكذبون،