المتمردين: انتبهوا جيدا، وافتحوا عيونكم وأسماعكم، فاسمعوا الحقائق، وانظروا إليها، وتفكروا كيف أمرنا الرياح يوما أن تحطم قصور قوم عاد ومساكنهم وتجعلها أطلالا وآثارا، وفي يوم آخر نأمر ذات الرياح أن تحمل السحاب الممطر إلى الأراضي الميتة البور لتحيي تلك الأراضي وتجعلها خضراء نضرة، ألا تستسلمون وتذعنون لهذه القدرة؟!
ولما كانت الآيات السابقة تهدد المجرمين بالانتقام، وتبشر المؤمنين بالإمامة والنصر، فإن الكفار يطرحون هذا السؤال غرورا واستكبارا وتعللا بأن هذه التهديدات متى ستتحقق؟ كما يذكر القرآن ذلك: ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين.
فيجيبهم القرآن مباشرة، ويأمر النبي (صلى الله عليه وآله) أن قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون أي: إذا كان مرادكم أن تروا صدق الوعيد الإلهي الذي سمعتموه من النبي لتؤمنوا، فإن الوقت قد فاتكم، فإذا حل ذلك اليوم لا ينفعكم إيمانكم فيه شيئا.
ومما قلنا يتضح أن المراد من " يوم الفتح " يوم نزول " عذاب الاستئصال "، أي العذاب الذي يقطع دابر الكافرين، ولا يدع لهم فرصة الإيمان. وبتعبير آخر فإن عذاب الاستئصال نوع من العذاب الدنيوي، لا من عذاب الآخرة، ولا من العقوبات الدنيوية المعتادة، بل هو العذاب الذي ينهي حياة المجرمين بعد إتمام الحجة.
والشاهد على هذا القول أمور:
أ: إذا كان المراد العقوبات الدنيوية المعتادة، أو الانتصارات الشبيهة بانتصار المسلمين في معركة بدر ويوم فتح مكة - كما قال ذلك بعض المفسرين - فإن جملة: لا ينفع الذين كفروا إيمانهم لا تصح حينئذ، لأن الإيمان كان مفيدا حينذاك، وأبواب التوبة كانت مفتحة يوم الانتصار في بدر، وفي يوم فتح مكة.