ب: إذا كان المراد من يوم الفتح يوم القيامة - كما ارتضى ذلك بعض المفسرين - فإن ذلك لا يناسب جملة: ولا هم ينظرون لأن إعطاء الفرصة وعدمه يرتبط بالحياة الدنيا، إضافة إلى أن " يوم الفتح " لم يستعمل بمعنى يوم القيامة في أي موضع من القرآن الكريم.
ج: إن التعبير بالفتح في مورد عذاب الاستئصال يلاحظ مرارا في القرآن، مثل الآية (118) من سورة الشعراء، حيث يقول نوح: فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين وهو إشارة إلى عقوبة الطوفان.
وورد نظير هذا المعنى في الآية (77) من سورة المؤمنون أيضا.
إلا أن المراد إذا كان عذاب الاستئصال في الدنيا فإنه يتفق مع ما قلناه أعلاه، وينسجم مع كل القرائن، وهو في الواقع تهديد للكافرين والظالمين بأن لا تطلبوا تحقق الوعد بالفتح للمؤمنين ووقوع عذاب الاستئصال على الكافرين، فإن طلبكم إذا تحقق فسوف لا تجدون الفرصة للإيمان، وإذا وجدتم الفرصة وآمنتم فإن إيمانكم سوف لا يقبل.
وهذا المعنى خاصة يتلاءم كثيرا مع الآيات السابقة التي تحدثت عن هلاك الأقوام المتمردين الطاغين الذين كانوا يعيشون في القرون الماضية، وابتلوا بالعذاب الإلهي والفناء، لأن كفار مكة إذا سمعوا الكلام الذي ورد في الآيتين السابقتين فإنهم سيطلبون تحقق مثل هذا الموضوع في حقهم، إلا أن القرآن الكريم يحذرهم بأن لا يطلبوا مثل هذا الطلب، فإن العذاب إذا نزل لا يبقى لهم شئ.
وأخيرا تنهي الآية الأخيرة هذه السورة - سورة السجدة - بتهديد بليغ عميق المعنى، فتقول: فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون.
الآن، حيث لم تؤثر في هؤلاء البشارة ولا الإنذار، ولا هم أهل منطق واستدلال ليعرفوا الله سبحانه بمشاهدة الآثار الإلهية في خفايا الخلقة فيعبدوه،