نعم، إن هذه السحب السابحة في السماء بحار كبيرة من المياه العذبة ترسل إلى الأراضي اليابسة بأمر الله ومعونة الرياح.
والواقع أنه لولا المطر فإن كثيرا من الأراضي لا ترى حتى القطرة الواحدة من الماء، وإذا افترضنا أن هناك أنهارا غزيرة المياه فان تلك المياه لا تصل إلى أغلب الأراضي، إلا أننا نرى أنه ببركة هذه الرحمة الإلهية قد نبتت ونمت الأعشاب والغابات والأشجار الكثيرة جدا على قمم كثير من الجبال والوديان الوعرة والتلال المرتفعة، وهذه القدرة العجيبة للمطر على الري لا يستطيع القيام بها شئ آخر.
" زرعا " له هنا معنى واسعا يشمل كل أنواع العشب والشجر، وإن كان يستعمل أحيانا في مقابل الشجر.
ويمكن أن يكون تقديم الدواب والأنعام على البشر في هذه الآية لأن تغذية الحيوانات تعتمد على النبات، في حين أن البشر يتغذى على النبات وعلى لحوم الحيوانات.
أو من جهة أن النبات بمجرد نموه يصبح غذاء للحيوانات، وتستطيع الاستفادة منه وهضمه، في حين أن استفادة الإنسان من النباتات، تتأخر حتى تحمل الشجرة وتنضج الثمرة.
والطريف هنا أن جملة: أفلا يبصرون قد وردت في نهاية الآية مورد البحث، في حين أن الآية السابقة التي كانت تتحدث عن أطلال قصور الأقوام الغابرة قد ختمت بجملة: أفلا يسمعون.
وعلة هذا الاختلاف هو أن الجميع يرون بام أعينهم منظر الأراضي الميتة وهي تحيا على أثر نزول الأمطار ونمو نباتها وينع ثمرها، في حين أنهم يسمعون المسائل المرتبطة بالأقوام السابقين كإخبار غالبا.
ويستفاد من مجموع الآيتين أعلاه أن الله تعالى يقول لهؤلاء العصاة