إلا أن سليمان (عليه السلام) التفت إليها وقال: إنه صرح ممرد من قوارير (1).
فلا حاجة إلى الكشف عن ساقيك فلا يمس الماء قدميك.
وهنا ينقدح سؤال هام، وهو أن سليمان نبي كبير، فلم كان لديه هذا البناء الفائق والتزين الرائق... والصرح الممرد والبساط الممهد!.. وصحيح أنه كان حاكما مبسوط اليد، إلا أن الأنسب أن يكون له بساط مألوف كسائر الأنبياء.
إلا أنه، ما يمنع أن يري سليمان ملكة سبأ التي كانت ترى قدرتها وعظمتها بالعرش والتاج والقصر العظيم والزينة.. يريها هذا المشهد لتذعن لأمره، ولتحتقر ما عندها؟! وهذه نقطة انعطاف في حياتها لتعيد النظر في ميزان القيم ومعيار الشخصية!
ما يمنعه - بدلا من أن يغير جيشا لجبا فيسفك الدماء - أن يجعل فكر ملكة سبأ حائرا مبهوتا بحيث لم تكن تتوقع ذلك أصلا... خاصة أنها كانت امرأة تهتم بهذه الأمور والتشريفات!.
ولا سيما أن أغلب المفسرين صرحوا بأن سليمان أمر أن يبنى مثل هذا الصرح والقصر قبل أن تصل ملكة سبأ إلى الشام، وكان هدفه أن يريها قدرته لتذعن لأمره وتسلم له... وهذا الأمر يدل على أن سليمان (عليه السلام) كان يتمتع في سلطانه بقدرة عظيمة من حيث القوة الظاهرية وفق بها للقيام بمثل هذا العمل!.
وبتعبير آخر: إن هذه النفقات المالية إزاء أمن منطقة واسعة، وقبول دين الحق، والوقاية عن الإنفاق المفرط للحرب - لم تكن أمرا مسرفا.
ولذلك حين رأت ملكة سبأ هذا المشهد الرائع قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين.
لقد كنت في ما مضى أسجد للشمس وأعبد الأصنام، وكنت غارقة في الزينة والتجميل، وكنت أتصور أني أعلى الناس في الدنيا.