تعالى في أعمال العباد ونتائجها (وهو الذي يراد حله في بحث الجبر والتفويض).
بيان ذلك: أنه تعالى قال: (لله ما في السماوات وما في الأرض) البقرة - 284، وقال: (له ملك السماوات والأرض) الحديد - 5، وقال: (له الملك وله الحمد) التغابن - 1، فأثبت فيها وفي نظائرها من الآيات الملك لنفسه على العالم بمعنى أنه تعالى مالك على الاطلاق ليس بحيث يملك على بعض الوجوه ولا يملك على بعض الوجوه، كما أن الفرد من الانسان يملك عبدا أو شيئا آخر فيما يوافق تصرفاته أنظار العقلاء، وأما التصرفات السفهية فلا يملكها، وكذا العالم مملوك لله تعالى مملوكية على الاطلاق، لا مثل مملوكية بعض أجزاء العالم لنا حيث أن ملكنا ناقص إنما يصحح بعض التصرفات لا جميعها، فان الانسان المالك لحمار مثلا إنما يملك منه أن يتصرف فيه بالحمل والركوب مثلا وإما أن يقتله عطشا أو جوعا أو يحرقه بالنار من غير سبب موجب فالعقلاء لا يرون له ذلك، أي كل مالكية في هذا الاجتماع الانساني مالكية ضعيفة إنما تصحح بعض التصرفات المتصورة في العين المملوكة لا كل تصرف ممكن، وهذا بخلاف ملكه تعالى للأشياء فإنها ليس لها من دون الله تعالى من رب يملكها وهي لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فكل تصرف متصور فيها فهو له تعالى، فأي تصرف تصرف به في عباده وخلقه فله ذلك من غير أن يستتبع قبحا ولا ذما ولا لوما في ذلك، إذ التصرف من بين التصرفات انما يستقبح ويذم عليه فيما لا يملك المتصرف ذلك لان العقلاء لا يرون له ذلك، فملك هذا المتصرف محدود مصروف إلى التصرفات الجائزة عند العقل، وأما هو تعالى فكل تصرف تصرف به فهو تصرف من مالك وتصرف في مملوك فلا قبح ولا ذم ولا غير ذلك وقد أيد هذه الحقيقة بمنع الغير عن أي تصرف في ملكه إلا ما يشائه أو يأذن فيه وهو السائل المحاسب دون المسؤول المأخوذ، فقال تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) البقرة - 255، وقال تعالى: (ما من شفيع إلا من بعد إذنه) يونس - 3، وقال تعالى: (ولو شاء الله لهدى الناس جميعا) الرعد - 33، وقال: (يضل من يشاء ويهدي من يشاء) النحل - 93، وقال تعالى: (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله) الدهر - 30، وقال تعالى (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) الأنبياء - 23، فالله هو المتصرف