وهذا هو الذي ألجأ الباحثين في الآثار الروحية من علماء العصر أن يعللوه بجريان امواج مجهولة الكتريسية مغناطيسية فافترضوا أن الارتياضات الشاقة تعطي للانسان سلطة على تصريف أمواج مرموزة قوية تملكه أو تصاحبه إرادة وشعور وبذلك يقدر على ما يأتي به من حركات وتحريكات وتصرفات عجيبة في المادة خارقة للعادة بطريق القبض والبسط ونحو ذلك.
وهذه الفرضية لو تمت واطردت من غير انتقاض لأدت إلى تحقق فرضية جديدة وسيعة تعلل جميع الحوادث المتفرقة التي كانت تعللها جميعا أو تعلل بعضها الفرضيات القديمة على محور الحركة والقوة ولساقت جميع الحوادث المادية إلى التعلل والارتباط بعلة واحدة طبيعية.
فهذا قولهم والحق معهم في الجملة إذ لا معنى لمعلول طبيعي لا علة طبيعية له مع فرض كون الرابطة طبيعية محفوظة، وبعبارة أخرى إنا لا نعني بالعلة الطبيعية إلا أن تجتمع عدة موجودات طبيعية مع نسب وروابط خاصة فيتكون منها عند ذلك موجود طبيعي جديد حادث متأخر عنها مربوط بها بحيث لو انتقض النظام السابق عليه لم يحدث ولم يتحقق وجوده.
واما القرآن الكريم فإنه وإن لم يشخص هذه العلة الطبيعية الأخيرة التي تعلل جميع الحوادث المادية العادية والخارقة للعادة (على ما نحسبه) بتشخيص اسمه وكيفية تأثيره لخروجه عن غرضه العام إلا أنه مع ذلك يثبت لكل حادث مادي سببا ماديا بإذن الله تعالى، وبعبارة أخرى يثبت لكل حادث مادي مستند في وجوده إلى الله سبحانه و (الكل مستند) مجرى ماديا وطريقا طبيعيا به يجري فيض الوجود منه تعالى إليه.
قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا) الطلاق - 3، فان صدر الآية يحكم بالاطلاق من غير تقييد أن كل من اتقى الله وتوكل عليه وان كانت الأسباب العادية المحسوبة عندنا أسبابا تقضي بخلافه وتحكم بعدمه فإن الله سبحانه حسبه فيه وهو كائن لا محالة، كما يدل عليه أيضا اطلاق قوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) البقرة - 186، وقوله تعالى: (ادعوني استجب لكم) المؤمن - 60، وقوله تعالى: (أليس الله بكاف عبده) الزمر - 36.