محفوظ) البروج - 22، وقوله تعالى: (والكتاب المبين، إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون، وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) الزخرف - 4. وقوله تعالى:
(فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم. إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) الواقعة - 79، فهذه الآيات ونظائرها تحكى عن إتكاء القرآن في معانيه على حقائق ثابتة غير متغيرة ولا متغير ما يتكي عليها.
إذا عرفت ما مر علمت أن إستناد وضع اللغة إلى الانسان لا يقتضي أن لا يوجد تأليف كلامي فوق ما يقدر عليه الانسان الواضع له، وليس ذلك إلا كالقول بان القين الصانع للسيوف يجب أن يكون أشجع من يستعملها وواضع النرد والشطرنج يجب أن يكون أمهر من يلعب بهما ومخترع العود يجب أن يكون أقوى من يضرب بها.
فقد تبين من ذلك كله أن البلاغة التامة معتمدة على نوع من العلم المطابق للواقع من جهة مطابقة اللفظ للمعني ومن جهة مطابقة المعنى المعقول للخارج الذي يحكيه الصورة الذهنية.
أما اللفظ فان يكون الترتيب الذي بين أجزاء اللفظ بحسب الوضع مطابقا للترتيب الذي بين أجزاء المعنى المعبر عنه باللفظ بحسب الطبع فيطابق الوضع الطبع كما قال الشيخ عبد القاهر الجرجاني في دلائل الاعجاز.
وأما المعنى فان يكون في صحته وصدقه معتمدا على الخارج الواقع بحيث لا يزول عما هو عليه من الحقيقة، وهذه المرتبة هي التي يتكى عليها المرتبة السابقة، فكم من هزل بليغ في هزليته لكنه لا يقاوم الجد، وكم من كلام بليغ مبنى على الجهالة لكنه لا يعارض ولا يسعه أن يعارض الحكمة، والكلام الجامع بين عذوبة اللفظ وجزالة الأسلوب وبلاغة المعنى وحقيقة الواقع هو ارقى الكلام.
وإذا كان الكلام قائما على أساس الحقيقة ومنطبق المعنى عليها تمام الانطباق لم يكذب الحقائق الاخر ولم تكذبه فإن الحق مؤتلف الاجزاء ومتحد الأركان، لا يبطل حق حقا، ولا يكذب صدق صدقا، والباطل هو الذي ينافي الباطل وينافي الحق، انظر إلى مغزى قوله سبحانه وتعالى: (فما ذا بعد الحق إلا الضلال) يونس - 32، فقد جعل الحق واحدا لا تفرق فيه ولا تشتت. وانظر إلى قوله تعالى: (ولا