أربابا من دون الله) آل عمران - 64، وقال تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) التوبة - 31، وفي الآية دليل على أن الحب يتعلق بالله تعالى حقيقة خلافا لمن قال: أن الحب وهو وصف شهواني، يتعلق بالاجسام والجسمانيات، ولا يتعلق به سبحانه حقيقة وأن معنى ما ورد من الحب له الإطاعة بالايتمار بالامر والانتهاء عن النهي تجوزا كقوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) آل عمران - 31.
والآية حجة عليهم فإن قوله تعالى: أشد حبا لله يدل على أن حبه تعالى يقبل الاشتداد، وهو في المؤمنين أشد منه في المتخذين لله أندادا، ولو كان المراد بالحب هو الإطاعة مجازا كان المعنى والذين آمنوا أطوع لله ولم يستقم معنى التفضيل لان طاعة غيرهم ليست بطاعة عند الله سبحانه فالمراد بالحب معناه الحقيقي.
ويدل عليه أيضا قوله تعالى: (قل إن كان آبائكم وأبنائكم - إلى قوله - أحب إليكم من الله ورسوله) التوبة - 25، فإنه ظاهر في أن الحب المتعلق بالله والحب المتعلق برسوله والحب المتعلق بالآباء والأبناء والأموال وغيرها جميعا من سنخ واحد لمكان قوله أحب إليكم، وأفعل التفضيل يقتضي اشتراك المفضل والمفضل عليه في أصل المعنى واختلافهما من حيث الزيادة والنقصان.
ثم إن الآية ذم المتخذين للأنداد بقوله: يحبونهم كحب الله ثم مدح المؤمنين بأنهم أشد حبا لله سبحانه فدل التقابل بين الفريقين على أن ذمهم أنما هو لتوزيعهم المحبة الإلهية بين الله وبين الأنداد الذين اتخذوهم أندادا. وهذا وإن كان بظاهره يمكن أن يستشعر منه أنهم لو وضعوا له سبحانه سهما أكثر لم يذموا على ذلك لكن ذيل الآية ينفي ذلك فإن قوله: إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا، وقوله: إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأ وا العذاب وتقطعت بهم الأسباب، وقوله: كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم، يشهد بأن الذم لم يتوجه إلى الحب من حيث أنه حب بل من جهة لازمه الذي هو الاتباع وكان هذا الاتباع منهم لهم لزعمهم ان لهم قوة يتقوون بها لجلب محبوب أو دفع مكروه عن أنفسهم فتركوا بذلك اتباع الحق من أصله أو في بعض الامر، وليس من اتبع الله في بعض أمره دون بعض بمتبع له وحينئذ يندفع الاستشعار المذكور، ويظهر أن هذا الحب يجب أن لا يكون لله فيه سهيم وإلا فهو الشرك، واشتداد هذا الحب ملازم لانحصار التبعية من أمر الله، ولذلك مدح المؤمنين