فهذه وأمثالها وجوه من الاشكال اوردوها على خلود العذاب وعدم انقطاعه.
وأنت بالإحاطة بما بيناه من معنى خلود العذاب تعرف أنها ساقطة من رأس، فإن العذاب الخالد أثر وخاصة لصورة الشقاء الذي لزمت الانسان الشقي فتصور ذاته بها بعد تمامية الاستعداد الشديد الذي حصل في ذاته القابلة لها بواسطة الأحوال العارضة لها المنتهية إلى اختياره، واشتداد الاستعداد التام هو الذي يوجب في جميع الحوادث إفاضة الصورة المناسبة لسنخ الاستعداد، فكما لا يجوز السؤال عن علة تحقق الافعال الانسانية بعد ورود الصورة الانسانية على المادة لوجود العلة التي هي الصورة الانسانية كذلك لا معنى للسؤال عن لمية ترتب آثار الشقاء اللازم، ومنها العذاب المخلد بعد تحقق صورة الشقاء اللازم، المنتهية إلى الاختيار فإنها آثارها وخواصها فبطلت السؤالات جميعا، فهذا هو الجواب الاجمالي عنها.
وأما تفصيلا: فالجواب عن الأول: أن الرحمة فيه تعالى ليس بمعنى رقة القلب والاشفاق والتأثر الباطني فإنها تستلزم المادة - تعالى عن ذلك -، بل معناها العطية والإفاضة لما يناسب الاستعداد التام الحاصل في القابل، فإن المستعد بالاستعداد التام الشديد يحب ما يستعد له ويطلبه ويسئله بلسان استعداده فيفاض عليه ما يطلبه ويسئله، والرحمة رحمتان: رحمة عامة، وهي أعطاء ما يستعد له الشئ ويشتاقه في صراط الوجود والكينونة، ورحمة خاصة، وهي إعطاء ما يستعد الشئ في صراط الهداية إلى التوحيد وسعادة القرب وإعطاء صورة الشقاء اللازم الذي أثره العذاب الدائم للانسان المستعد له باستعداده الشديد لا ينافي الرحمة العامة بل هو منها، وأما الرحمة الخاصة فلا معنى لشمولها لمن هو خارج عن صراطها، فقول القائل: إن العذاب الدائم ينافي الرحمة إن أراد به الرحمة العامة فليس كذلك بل هو من الرحمة العامة، وإن أراد به الرحمة الخاصة فليس كذلك لكونه ليس موردا لها، على أن الاشكال لو تم لجرى في العذاب المنقطع أيضا حتى أنواع العذاب الدنيوي، وهو ظاهر.
والجواب عن الثاني: أنه ينبغي أن يحرر معنى عدم ملائمة الطبع فإنه تارة بمعنى عدم السنخية بين الموضوع والأثر الموجود عنده وهو الفعل القسري الذي يصدر