إذ قال الله سبحانه فيه: (وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين) الحجر - 35، فجعل جميع اللعن عليه فهؤلاء - وهم العلماء الكاتمون لعلمهم - شركاء الشيطان في اللعن العام المطلق ونظرائه فيه، فما أشد لحن هذه الآية وأعظم أمرها! وسيجئ في الكلام على قوله تعالى: (ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم) الأنفال - 37، ما يتعلق بهذا المقام إنشاء الله العزيز.
قوله تعالى: خالدين فيها، أي في اللعنة، وقوله: لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون، في تبديل السياق بوضع العذاب موضع اللعنة دلالة على أن اللعنة تتبدل عليهم عذابا.
واعلم أن في هذه الآيات موارد من الالتفات، فقد التفت في الآية الأولى من التكلم مع الغير إلى الغيبة في قوله: أولئك يلعنهم الله، لان المقام مقام تشديد السخط، والسخط يشتد إذا عظم اسم من ينسب إليه أو وصفه - ولا أعظم من الله سبحانه - فنسب إليه اللعن ليبلغ في الشدة كل مبلغ، ثم التفت في الآية الثانية من الغيبة إلى التكلم وحده بقوله: فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم، للدلالة على كمال الرحمة والرأفة، بإلقاء كل نعت وطرح كل صفة وتصدى الامر بنفسه تعالى وتقدس، فليست الرأفة والحنان المستفادة من هذه الجملة كالتي يستفاد من قولنا مثلا: فأولئك يتوب الله عليهم أو يتوب ربهم عليهم، ثم التفت في الآية الثالثة من التكلم وحده إلى الغيبة بقوله: أولئك عليهم لعنة الله، والوجه فيه نظير ما ذكرناه في الالتفات الواقع في الآية الأولى.
(بحث روائي) في تفسير العياشي عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام قال: قلت له: أخبرني عن قول الله عز وجل: إن الذين يكتمون الآية، قال: نحن نعني بها - والله المستعان - إن الواحد منا إذا صارت إليه لم يكن له أو لم يسعه إلا أن يبين للناس من يكون بعده.
وعن الباقر عليه السلام: في الآية، قال: يعني بذلك نحن، والله المستعان.