وذلك كما أن كل فعل يراد به غير الله سبحانه فالغاية المطلوبة منه إما عزة في المطلوب يطمع فيها، أو قوة يخاف منها ويحذر عنها، لكن الله سبحانه يقول: (إن العزة لله جميعا) يونس - 65، ويقول: (أن القوة لله جميعا) البقرة - 165، والتحقق بهذا العلم الحق لا يبقى موضوعا لرياء، ولا سمعة، ولا خوف من غير الله، ولا رجاء لغيره، ولا ركون إلى غيره، فهاتان القضيتان إذا صارتا معلومتين للانسان تغسلان كل ذميمة وصفا أو فعلا عن الانسان وتحليان نفسه بحلية ما يقابلها من الصفات الكريمة الإلهية من التقوى بالله، والتعزز بالله وغيرهما من مناعة وكبرياء واستغناء وهيبة إلهية ربانية.
وأيضا قد تكرر في كلامه تعالى: أن الملك لله، وأن له ملك السماوات والأرض وأن له ما في السماوات والأرض وقد مر بيانه مرارا، وحقيقة هذا الملك كما هو ظاهر لا تبقى لشئ من الموجودات استقلالا دونه، واستغناء عنه بوجه من الوجوه، فلا شئ إلا وهو سبحانه المالك لذاته ولكل ما لذاته، وإيمان الانسان بهذا الملك وتحققه به يوجب سقوط جميع الأشياء ذاتا ووصفا وفعلا عنده عن درجة الاستقلال، فهذا الانسان لا يمكنه أن يريد غير وجهه تعالى، ولا أن يخضع لشئ، أو يخاف أو يرجو شيئا، أو يلتذ أو يبتهج بشئ، أو يركن إلى شئ أو يتوكل على شئ أو يسلم لشئ أو يفوض إلى شئ، غير وجهه تعالى، وبالجملة لا يريد ولا يطلب شيئا الا وجهه الحق الباقي بعد فناء كل شئ، ولا يعرض إعراضا ولا يهرب إلا عن الباطل الذي هو غيره الذي لا يرى لوجوده وقعا ولا يعبأ به قبال الحق الذي هو وجود باريه جل شأنه.
وكذلك قوله تعالى: الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى) طه - 8، وقوله:
(ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ) الانعام - 102، وقوله: (الذي أحسن كل شئ خلقه) السجدة - 7، وقوله: (وعنت الوجوه للحي القيوم) طه - 111، وقوله: (كل له قانتون) البقرة - 116، وقوله: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) الاسراء - 23، وقوله: (أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) فصلت - 53، وقوله:
(إلا إنه بكل شئ محيط) فصلت - 54، وقوله: (وان إلى ربك المنتهى) النجم - 42.
ومن هذا الباب الآيات التي نحن فيها وهي قوله تعالى: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) إلى آخرها فإن هذه الآيات وأمثالها