حياة المعرفة في روحه ولم يتمكن نور الهداية الإلهية من قلبه، وإن كان عاملا بالشريعة المحمدية صلى الله عليه وآله وسلم التي هي أكمل الشرائع وأوسعها، فمن الجائز أن يستهدي صاحب المقام الداني من أهل الشريعة الكاملة ويسأل الله الهداية إلى مقام صاحب المقام العالي من أهل الشريعة التي هي دونها.
ومن أعجب ما ذكر في هذا المقام، ما ذكره بعض المحققين من أهل التفسير جوابا عن هذه الشبهة: ان دين الله واحد وهو الاسلام، والمعارف الأصلية وهو التوحيد والنبوة والمعاد وما يتفرع عليها من المعارف الكلية واحد في الشرائع، وانما مزية هذه الشريعة على ما سبقها من الشرائع هي ان الاحكام الفرعية فيها أوسع واشمل لجميع شؤون الحياة، فهي أكثر عناية بحفظ مصالح العباد، على أن أساس هذه الشريعة موضوع على الاستدلال بجميع طرقها من الحكمة والموعظة والجدال الأحسن، ثم إن الدين وان كان دينا واحدا والمعارف الكلية في الجميع على السواء غير أنهم سلكوا سبيل ربهم قبل سلوكنا وتقدموا في ذلك علينا، فأمرنا الله النظر فيما كانوا عليه والاعتبار بما صاروا إليه هذا.
أقول: وهذا الكلام مبنى على أصول في مسلك التفسير مخالفة للأصول التي يجب أن يبتني مسلك التفسير عليها، فإنه مبني على أن حقائق المعارف الأصلية واحدة من حيث الواقع من غير اختلاف في المراتب والدرجات، وكذا سائر الكمالات الباطنية المعنوية، فأفضل الأنبياء المقربين مع أخس المؤمنين من حيث الوجود وكماله الخارجي التكويني على حد سواء، وإنما التفاضل بحسب المقامات المجعولة بالجعل التشريعي من غير أن يتكي على تكوين، كما أن التفاضل بين الملك والرعية إنما هو بحسب المقام الجعلي الوضعي من غير تفاوت من حيث الوجود الانساني هذا.
ولهذا الأصل أصل آخر يبنى عليه، وهو القول بأصالة المادة ونفى الأصالة عما ورائها والتوقف فيه إلا في الله سبحانه بطريق الاستثناء بالدليل، وقد وقع في هذه الورطة من وقع لاحد أمرين: إما القول بالاكتفاء بالحس اعتمادا على العلوم المادية وإما إلغاء التدبر في القرآن بالاكتفاء بالتفسير بالفهم العامي.
وللكلام ذيل طويل سنورده في بعض الأبحاث العلمية الآتية إن شاء الله تعالى.