مهيمن على جميع السبل إلى الله والطرق الهادية إليه تعالى، بمعنى ان السبيل إلى الله إنما يكون سبيلا له موصلا إليه بمقدار يتضمنه من الصراط المستقيم حقيقة، مع كون الصراط المستقيم هاديا موصلا إليه مطلقا ومن غير شرط وقيد، ولذلك سماه الله تعالى صراطا مستقيما، فان الصراط هو الواضح من الطريق، مأخوذ من سرطت سرطا إذا بلعت بلعا، كأنه يبلع سالكيه فلا يدعهم يخرجوا عنه ولا يدفعهم عن بطنه، والمستقيم هو الذي يريد ان يقوم على ساق فيتسلط على نفسه وما لنفسه كالقائم الذي هو مسلط على أمره، ويرجع المعنى إلى أنه الذي لا يتغير أمره ولا يختلف شأنه فالصراط المستقيم ما لا يتخلف حكمه في هدايته وايصاله سالكيه إلى غايته ومقصدهم قال تعالى: (فاما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما) النساء - 174. اي لا يتخلف أمر هذه الهداية، بل هي على حالها دائما، وقال تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا صراط ربك مستقيما) الانعام - 126. أي هذه طريقته التي لا يختلف ولا يتخلف، وقال تعالى: (قال هذا صراط علي مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) الحجر - 42. أي هذه سنتي وطريقتي دائما من غير تغيير، فهو يجري مجرى قوله: (فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) الفاطر - 42.
وقد تبين مما ذكرناه في معنى الصراط المستقيم أمور.
أحدها: ان الطرق إلى الله مختلفة كمالا ونقصا وغلائا ورخصا، في جهة قربها من منبع الحقية والصراط المستقيم كالاسلام والايمان والعبادة والاخلاص والاخبات، كما أن مقابلاتها من الكفر والشرك والجحود والطغيان والمعصية كذلك، قال سبحانه (ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون) الأحقاف - 19.
وهذا نظير المعارف الإلهية التي تتلقاها العقول من الله فإنها مختلفة باختلاف الاستعدادات ومتلونة بألوان القابليات على ما يفيده المثل المضروب في قوله تعالى: