في هذه الآيات يوجب القطع بان هؤلاء المؤمنين و (شأنهم هذا الشأن) فيهم بقية بعد لو تمت فيهم كانوا من الذين أنعم الله عليهم، وارتقوا من منزلة المصاحبة معهم إلى درجة الدخول فيهم ولعلهم نوع من العلم بالله، ذكره في قوله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) المجادلة - 11. فالصراط المستقيم أصحابه منعم عليهم بنعمة هي ارفع النعم قدرا، يربو على نعمة الايمان التام، وهذا أيضا نعت من نعوت الصراط المستقيم. ثم انه تعالى على أنه كرر في كلامه ذكر الصراط والسبيل، لم ينسب لنفسه أزيد من صراط مستقيم واحد، وعد لنفسه سبلا كثيرة فقال عز من قائل: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) العنكبوت - 69. وكذا لم ينسب الصراط المستقيم إلى أحد من خلقه إلا ما في هذه الآية (صراط الذين أنعمت عليهم الآية) ولكنه نسب السبيل إلى غيره من خلقه، فقال تعالى: (قل هذه سبيلي ادعو إلى الله على بصيرة) يوسف - 108. وقال تعالى (سبيل من أناب إلي) لقمان - 15. وقال: (سبيل المؤمنين) النساء - 114. ويعلم منها: ان السبيل غير الصراط المستقيم فإنه يختلف ويتعدد ويتكثر باختلاف المتعبدين السالكين سبيل العبادة بخلاف الصراط المستقيم كما) يشير إليه قوله تعالى: (قد جائكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بأذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) المائدة - 16، فعد السبل كثيرة والصراط واحدا وهذا الصراط المستقيم اما هي السبل الكثيرة واما أنها تؤدي إليه باتصال بعضها إلى بعض واتحادها فيها.
وأيضا قال تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) يوسف - 106.
فبين ان من الشرك (وهو ضلال) ما يجتمع مع الايمان وهو سبيل، ومنه يعلم أن السبيل يجامع الشرك، لكن الصراط المستقيم لا يجامع الضلال كما قال: ولا الضالين.
والتدبر في هذه الآيات يعطى ان كل واحد من هذه السبل يجامع شيئا من النقص أو الامتياز، بخلاف الصراط المستقيم، وان كلا منها هو الصراط المستقيم لكنه