إلى حقائق ومعان وراء ذلك.
وأما قوله: إن شرف الأنبياء والمعاهد والأمور المنسوبة إليهم كالبيت والحجر الأسود ليس شرفا ظاهريا بل شرف معنوي ناش عن التفضيل الإلهي فكلام حق، لكن يجب أن يفهم منه حق المعنى الذي يشتمل عليه، فما هذا الامر المعنوي الذي يتضمن الشرافة؟ فإن كان من المعاني التي يعطيها الاحتياجات الاجتماعية لموضوعاتها وموادها نظير الرتب والمقامات التي يتداولها الدول والملل كالرئاسة والقيادة في الانسان وغلاء القيمة في الذهب والفضة وكرامة الوالدين وحرمة القوانين والنواميس فإنما هي معان يعتبرها الاجتماعات لضرورة الاحتياج الدنيوي، لا أثر منها في خارج الوهم والاعتبار الاجتماعي، ومن المعلوم أن الاجتماع الكذائي لا يتعدى عالم الاجتماع الذي صنعته الحاجة الحيوية، والله عز سلطانه أقدس ساحة من أن يتطرق إليه هذه الحاجة الطارقة على حياة الانسان، ومع ذلك فإذا جاز أن يتشرف النبي بهذا الشرف غير الحقيقي فليجز أن يتشرف بمثله بيت أو حجر، وان كان هذا الشرف حقيقيا واقعيا من قبيل النسبة بين النور والظلمة، والعلم والجهل، والعقل والسفه بأن كان حقيقة وجود النبي غير حقيقة وجود غيره وان كانت حواسنا الظاهرية لا تنال ذلك وهو اللائق بساحة قدسه من الفعل والحكم، كما قال الله تعالى: (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما إلا بالحق، ولكن أكثرهم لا يعلمون) الدخان - 39، وسيجئ بيانه كان ذلك عائدا إلى نسبة حقيقية معنوية غير مادية إلى ما وراء الطبيعة فإذا جاز تحققها في الأنبياء بنحو فليجز تحققها في غير الأنبياء كالبيت والحجر ونحوهما وإن وقع التعبير عن هذه النسب الحقيقية المعنوية بما ظاهره المعاني المعروفة عند العامة التي اصطلحت عليه أهل الاجتماع.
وليت شعري: ما ذا يصنعه هؤلاء في الآيات التي تنطق بتزيين الجنة وتشريف أهلها بالذهب والفضة، وهما فلزان ليس لهما من الشرف إلا غلاء القيمة المستندة إلى عزة الوجود؟ فما ذا يراد من تشريف أهل الجنة بهما؟ وما الذي يؤثره معنى الثروة في الجنة ولا معنى للاعتبار المالي في الخارج من ظرف الاجتماع؟ فهل لهذه البيانات الإلهية والظواهر الدينية وجه غير أنها حجب من الكلام وأستار وراءها أسرار؟ فلئن جاز أمثال هذه البيانات في أمور نشأة الآخرة فليجز نظيرتها في بعض الأمور نشأه الدنيا.