لعصبية مذهبية توجب نفى معنويات الحقائق عن الأنبياء، واتكاء الظواهر الدينية على أصول وأعراق معنوية، أو لتبعية غير إرادية للعلوم الطبيعية المتقدمة اليوم، حيث تحكم: أن كل حادثة من الحوادث الطبيعية، أو ما يرتبط بها أي ارتباط من المعنويات يجب أن يعلل بتعليل مادي أو ما ينتهي إلى المادة، الحاكمة في جميع شؤون الحوادث كالتعليمات الاجتماعية.
وقد كان من الواجب: أن يتدبر في أن العلوم الطبيعية شأنها البحث عن خواص المادة وتراكيبها وارتباط الآثار الطبيعية بموضوعاتها ذاك، الارتباط الطبيعي وكذا العلوم الاجتماعية إنما تبحث عن الروابط الاجتماعية بين الحوادث الاجتماعية فقط.
وأما الحقائق الخارجة عن حومة المادة وميدان عملها، المحيطة بالطبيعة وخواصها وارتباطاتها المعنوية غير المادية مع الحوادث الكونية وما اشتمل عليه عالمنا المحسوس فهي أمور خارجة عن بحث العلوم الطبيعية والاجتماعية، ولا يسعها أن تتكلم فيها أو تتعرض لاثباتها، أو تقضي بنفيها العلوم الطبيعية إنما يمكنها أن تقضي أن البيت يحتاج في الطبيعة إلى أجزاء من الطين والحجر، وإلى بان يبنيه ويعطيه بحركاته وأعماله هيئة البيت أو كيف تتكون الحجرة من الاحجار السود وكذا الأبحاث الاجتماعية تعين الحوادث الاجتماعية التي أنتجت بناء إبراهيم للبيت، وهي جمل من تاريخ حياته، وحياة هاجر، وإسماعيل، وتاريخ تهامة، ونزول جرهم، إلى غير ذلك، وأما أنه ما نسبة هذا الحجر مثلا إلى الجنة أو النار الموعودتين فليس من وظيفة هذه العلوم أن تبحث عنه، أو تنفى ما قيل، أو يقال فيه، وقد عرفت: أن القرآن الشريف هو الناطق بكون هذه الموجودات الطبيعية المادية نازلة إلى مقرها ومستقرها من عند الله سبحانه ثم راجعة إليه متوجهة نحوه (أيما إلى جنة أيما إلى نار)، وهو الناطق بكون الأعمال صاعدة إلى الله، مرفوعة نحوه، نائلة إياه، مع أنها حركات وأوضاع طبيعية، تألفت تألفا اعتباريا اجتماعيا من غير حقيقة تكوينية، قال تعالى: (ولكن يناله التقوى منكم) الحج - 37، والتقوى فعل، أو صفة حاصلة من فعل، وقال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) الفاطر - 10، فمن الواجب على الباحث الديني أن يتدبر في هذه الآيات فيعقل أن المعارف الدينية لا مساس لها مع الطبيعيات والاجتماعيات من جهة النظر الطبيعي والاجتماعي على الاستقامة وانما اتكاؤها وركونها