إلى هذه المرتبة من الاسلام فان قوله تعالى: إذ قال له ربه أسلم، قال أسلمت لرب العالمين الآية ظاهره أنه أمر تشريعي لا تكويني، فإبراهيم كان مسلما باختياره، إجابة لدعوة ربه وامتثالا لامره، وقد كان هذا من الأوامر المتوجهة إليه عليه السلام في مبادئ حاله، فسؤاله في أواخر عمره مع ابنه إسماعيل الاسلام وإرائة المناسك سؤال لأمر ليس زمامه بيده أو سؤال لثبات على أمر ليس بيده فالاسلام المسئول في الآية هو هذه المرتبة من الاسلام ويتعقب الاسلام بهذا المعنى المرتبة الرابعة من الايمان وهو استيعاب هذا الحال لجميع الأحوال والافعال، قال تعالى: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون) يونس - 62، فإن هؤلاء المؤمنين المذكورين في الآية يجب أن يكونوا على يقين من أن لا استقلال لشئ دون الله، ولا تأثير لسبب إلا بإذن الله حتى لا يحزنوا من مكروه واقع، ولا يخافوا محذورا محتملا، وإلا فلا معنى لكونهم بحيث، لا يخوفهم شئ ولا يحزنهم أمر، فهذا النوع من الايمان بعد الاسلام المذكور فافهم.
قوله تعالى: وإنه في الآخرة لمن الصالحين، الصلاح، وهو اللياقة بوجه ربما نسب في كلامه إلى عمل الانسان وربما نسب إلى نفسه وذاته، قال تعالى: فليعمل عملا صالحا) الكهف - 110، وقال تعالى: (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) النور - 32.
وصلاح العمل وإن لم يرد به تفسير بين من كلامه تعالى غير أنه نسب إليه من الآثار ما يتضح به معناه.
فمنها: أنه صالح لوجه الله، قال تعالى: (صبروا ابتغاء وجه ربهم) الرعد - 22، وقال تعالى: (وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله) البقرة - 272.
ومنها: أنه صالح لان يثاب عليه، قال تعالى: (ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا) القصص - 80.
ومنها: أنه يرفع الكلم الطيب الصاعد إلى الله سبحانه قال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) فاطر - 10، فيستفاد من هذه الآثار المنسوبة