وهو ان هذه الأخبار الحاكية عن كون هذه الأشياء الطبيعية، من الجنة، أو من النار، إذا كانت ملازمة لوجه السعادة أو الشقاوة لا تخلو عن وجه صحة، لمطابقتها لأصول قرآنية ثابتة في الجملة، وان لم يستلزم ذلك كون كل واحد واحد صحيحا، يصح الركون إليه، فافهم المراد.
وربما قال القائل: ان قوله تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل الآية) ظاهر في أنهما، هما اللذان بنيا هذا البيت لعبادة الله تعالى في تلك البلاد الوثنية، ولكن القصاصين ومن تبعهم من المفسرين، جاؤنا من ذلك بغير ما قصه الله تعالى علينا، وتفننوا في رواياتهم، عن قدم البيت، وعن حج آدم، وعن ارتفاعه إلى السماء وقت الطوفان وعن كون الحجر الأسود من أحجار الجنة، وقد أراد هؤلاء القصاصون أن يزينوا الدين ويرقشوه برواياتهم هذه، وهذه التزيينات بزخارف القول، وان أثرت أثرها في قلوب العامة، لكن أرباب اللب والنظر من أهل العلم يعلمون ان الشرف المعنوي الذي أفاضه الله سبحانه، بتكريم بعض الأشياء على بعض، فشرف البيت إنما هو بكونه بيتا لله، منسوبا إليه، وشرف الحجر الأسود بكونه موردا للاستلام بمنزلة يد الله سبحانه، وأما كون الحجر في أصله ياقوتة، أو درة، أو غير ذلك، فلا يوجب مزية فيه، وشرفا حقيقا له، و ما الفرق بين حجر أسود، وحجر أبيض، عند الله تعالى في سوق الحقائق، فشرف هذا البيت بتسمية الله تعالى إياه بيته، وجعله موضعا لضروب من عبادته، لا تكون في غيره - كما تقدم - لا بكون أحجاره تفضل سائر الاحجار، ولا بكون موقعه تفضل سائر المواقع، ولا بكونه من السماء، وعالم الضياء وكذلك شرف الأنبياء على غيرهم من البشر ليس لمزية في أجسامهم، ولا في ملابسهم، وإنما هو لاصطفاء الله تعالى إياهم، وتخصيصهم بالنبوة، التي هي أمر معنوي، وقد كان أهل الدنيا أحسن زينة، وأكثر نعمة منهم.
قال: وهذه الروايات فاسده، في تناقضها وتعارضها في نفسها، وفاسدة في عدم صحة أسانيدها، وفاسدة في مخالفتها لظاهر الكتاب.
قال: وهذه الروايات خرافات إسرائيلية، بثها زنادقة اليهود في المسلمين،