قوله تعالى: وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا، العهد هو الامر والتطهير إما تخليص البيت لعبادة الطائفين، والعاكفين، والمصلين، ونسكهم فيكون من الاستعارة بالكناية، وأصل المعنى: أن خلصا بيتي لعبادة العباد، وذلك تطهير وإما تنظيفه من الاقذار والكثافات الطارئة من عدم مبالات الناس، والركع السجود جمعا راكع وساجد وكان المراد به المصلون.
قوله تعالى: وإذ قال إبراهيم رب اجعل، هذا دعاء دعا به إبراهيم يسئل به الامن على أهل مكة والرزق وقد أجيبت دعوته، وحاشا لله سبحانه أن ينقل في كلامه دعاء لا يستجيبه ولا يرده في كلامه الحق فيشتمل كلامه على هجاء لغو لغى به لاغ جاهل، وقد قال تعالى: (والحق أقول) ص - 84، وقال تعالى: (إنه لقول فصل وما هو بالهزل) الطارق - 14.
وقد نقل القرآن العظيم عن هذا النبي الكريم دعوات كثيرة دعا بها، وسئلها ربه كدعائه لنفسه في بادئ أمره، ودعائه عند مهاجرته إلى سورية ودعائه ومسئلته بقاء الذكر الخير، ودعائه لنفسه وذريته ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات، ودعائه لأهل مكة بعد بناء البيت، ودعائه ومسئلته بعثة النبي من ذريته، ومن دعواته ومسائله التي تجسم آماله وتشخص مجاهداته ومساعيه في جنب الله وفضائل نفسه المقدسة، وبالجملة تعرف موقعه وزلفاه من الله عز اسمه، وسائر قصصه وما مدحه به ربه، يستنبط شرح حياته الشريفة وسنتعرض للميسور من ذلك في سورة الأنعام.
قوله تعالى: من آمن منهم، لما سئل عليه السلام لبلد مكة الامن، ثم سئل لأهله أن يرزقوا من الثمرات، استشعر: أن الاهل سيكون منهم مؤمنون، وكافرون ودعائه للاهل بالرزق يعم الكافر والمؤمن، وقد تبرا من الكافرين وما يعبدونه، قال تعالى (فلما تبين أنه عدو لله تبرء منه) التوبة - 114، فشهد تعالى له: بالبرائة والتبري عن كل عدو لله، حتى أبيه، ولذلك لما استشعر ما استشعره من عموم دعوته قيدها بقوله من آمن منهم - وهو يعلم أن رزقهم من الثمرات لا يتم من دون شركة الكافرين، على ما يحكم به ناموس الحياة الدنيوية الاجتماعية - غير أنه خص مسئلته - والله أعلم - بما يحكم لسائر عباده، ويريد في حقهم، فأجيب (ع) بما يشمل المؤمن والكافر، وفيه