والأرض، وذلك إن الانكار المتوهم في المقام أو الانكار الواقع من اليهود على ما نقل في شأن نزول الآية بالنسبة إلى معنى النسخ يتعلق به من وجهين:
أحدهما: من جهة أن الآية إذا كانت من عند الله تعالى كانت حافظة لمصلحة من المصالح الحقيقية لا تحفظها شئ دونها، فلو زالت الآية فاتت المصلحة ولن تقوم مقامها شئ تحفظ به تلك المصلحة، ويستدرك به ما فات منها من فائدة الخلقة ومصلحة العباد، وليس شأنه تعالى كشأن عباده ولا علمه كعلمهم بحيث يتغير بتغير العوامل الخارجية فيتعلق يوما علمه بمصلحة فيحكم بحكم ثم يتغير علمه غدا ويتعلق بمصلحة أخرى فاتت عنه بالأمس، فيتغير الحكم، ويقضي ببطلان ما حكم سابقا، وإتيان آخر لاحقا، فيطلع كل يوم حكم، ويظهر لون بعد لون، كما هو شأن العباد غير المحيطين بجهات الصلاح في الأشياء، فكانت أحكامهم وأوضاعهم تتغير بتغير العلوم بالمصالح والمفاسد زيادة ونقيصة وحدوثا وبقاء، ومرجع هذا الوجه إلى نفي عموم القدرة وإطلاقها.
وثانيهما: أن القدرة وإن كانت مطلقة إلا أن تحقق الايجاد وفعلية الوجود يستحيل معه التغير، فان الشئ لا يتغير عما وقع عليه بالضرورة وهذا مثل الانسان في فعله الاختياري فان الفعل اختياري للانسان ما لم يصدر عنه فإذا صدر كان ضروري الثبوت غير اختياري له، ومرجع هذا الوجه إلى نفي اطلاق الملكية و عدم جواز بعض التصرفات بعد خروج الزمام ببعض آخر كما قالت اليهود: يد الله مغلولة: فأشار سبحانه إلى الجواب عن الأول بقوله: ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير أي فلا يعجز عن إقامة ما هو خير من الفائت أو إقامة ما هو مثل الفائت مقامه وأشار إلى الجواب عن الثاني بقوله: ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير، أي إن ملك السماوات والأرض لله سبحانه فله أن يتصرف في ملكه كيف يشاء وليس لغيره شئ من الملك حتى يوجب ذلك انسداد باب من أبواب تصرفه سبحانه، أو يكون مانعا دون تصرف من تصرفاته، فلا يملك شئ شيئا، لا ابتداء ولا بتمليكه تعالى، فان التمليك الذي يملكه غيره ليس كتمليك بعضنا بعضا شيئا بنحو يبطل ملك الأول ويحصل ملك الثاني، بل هو مالك