فلا تنسى وأما اشتماله على الاستثناء بقوله: إلا ما شاء الله فهو على حد الاستثناء الواقع في قوله تعالى: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) هود - 109، جئ بها لاثبات بقاء القدرة مع الفعل على تغيير الامر، ولو كان الاستثناء مسوقا لبيان الوقوع في الخارج لم يكن للامتنان بقوله: فلا تنسى معنى، إذ كل ذي ذكر وحفظ من الانسان وسائر الحيوان كذلك يذكر وينسى وذكره نسيانه كلاهما منه تعالى وبمشيته، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذلك قبل هذا الأقراء الامتناني الموعود بقوله: سنقرئك يذكر بمشية الله وينسى بمشية الله تعالى فليس معنى الاستثناء إلا إثبات إطلاق القدرة أي سنقرئك فلا تنسى ابدا والله مع ذلك قادر على إنسائك هذا. وقرء قوله: ننسأها بفتح النون والهمزة من نسئ نسيئا إذا أخر تأخيرا فيكون المعنى على هذا: ما ننسخ من آية بإزالتها أو نؤخرها بتأخير إظهارها نأت بخير منها أو مثلها ولا يوجب التصرف الإلهي بالتقديم والتأخير في آياته فوت كمال أو مصلحة والدليل على أن المراد بيان أن التصرف الالهة يكون دائما على الكمال والمصلحة هو قوله: بخير منها أو مثلها فأن الخيرية إنما يكون في كمال شئ موجود أو مصلحة حكم مجعول ففي ذلك يكون موجود مماثلا لآخر في الخيرية أو أزيد منه في ذلك فافهم.
(بحث روائي) قد تكاثرت روايات الفريقين عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وعن أئمة أهل البيت عليه السلام: ان في القرآن ناسخا ومنسوخا.
وفي تفسير النعماني عن أمير المؤمنين عليه السلام: بعد ذكر عدة آيات من الناسخ والمنسوخ قال عليه السلام: ونسخ قوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون قوله: عز وجل ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم أي للرحمة خلقهم.
أقول: وفيها دلالة على أخذه عليه السلام النسخ في الآية أعم من النسخ الواقع في التشريع فالآية الثانية تثبت حقيقة توجب تحديد الحقيقة التي تثبتها الآية الأولى،