أزلته وذهبت به، قال تعالى: وما أرسلنا من رسول ولا نبي الا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان) الحج - 51، ومنه أيضا قولهم: نسخت الكتاب إذا نقل من نسخة إلى أخرى فكأن الكتاب أذهب به وأبدل مكانه ولذلك بدل لفظ النسخ من التبديل في قوله تعالى: (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون) النحل - 101، وكيف كان فالنسخ لا يوجب زوال نفس الآية من الوجود وبطلان تحققها بل الحكم حيث علق بالوصف وهو الآية والعلامة مع ما يلحق بها من التعليل في الآية بقوله تعالى: ألم تعلم، إلخ أفاد ذلك أن المراد بالنسخ هو اذهاب اثر الآية، من حيث أنها آية، أعني إذهاب كون الشئ آية وعلامة مع حفظ أصله فبالنسخ يزول أثره من تكليف أو غيره مع بقاء أصله وهذا هو المستفاد من اقتران قوله: ننسها بقوله: ما ننسخ، والانساء إفعال من النسيان وهو الا ذهاب عن العلم كما أن النسخ هو الا ذهاب عن العين فيكون المعنى ما نذهب بآية عن العين أو عن العلم نأت بخير منها أو مثلها.
ثم إن كون الشئ آية يختلف باختلاف الأشياء والحيثيات والجهات، فالبعض من القرآن آية لله سبحانه باعتبار عجز البشر عن اتيان مثله، والاحكام والتكاليف الإلهية آيات له تعالى باعتبار حصول التقوى والقرب بها منه تعالى، والموجودات العينية آيات له تعالى باعتبار كشفها بوجودها عن وجود صانعها وبخصوصيات وجودها عن خصوصيات صفاته وأسمائه سبحانه، وأنبياء الله وأوليائه تعالى آيات له تعالى باعتبار دعوتهم إليه بالقول و الفعل وهكذا، ولذلك كانت الآية تقبل الشدة والضعف قال الله تعالى: لقدر أي من آيات ربه الكبرى) النجم - 18.
ومن جهة أخرى الآية ربما كانت في أنها آية ذات جهة واحدة وربما كانت ذات جهات كثيرة، ونسخها وإزالتها كما يتصور بجهته الواحدة كاهلاكها كذلك يتصور ببعض جهاتها دون بعض إذا كانت ذات جهات كثيرة، كالآية من القرآن تنسخ من حيث حكمها الشرعي وتبقى من حيث بلاغتها وإعجازها ونحو ذلك.
وهذا الذي استظهرناه من عموم معنى النسخ هو الذي يفيده عموم التعليل المستفاد من قوله تعالى: ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير، ألم تعلم أن الله له ملك السماوات