وبعبارة واضحة: الآية الأولى تثبت للخلقة غاية وهي العبادة، والله سبحانه غير مغلوب في الغاية التي يريدها في فعل من أفعاله غير أنه سبحانه خلقهم على إمكان الاختلاف فلا يزالون مختلفين في الاهتداء والضلال فلا يزالون مختلفين إلا من أخذته العناية الإلهية، وشملته رحمة الهداية ولذلك خلقهم أي ولهذه الرحمة خلقهم، فالآية الثانية تثبت للخلقة غاية، وهو الرحمة المقارنة للعبادة والاهتداء ولا يكون إلا في البعض دون الكل والآية الأولى كانت تثبت العبادة غاية للجميع فهذه العبادة جعلت غاية الجميع من جهة كون البعض مخلوقا لأجل البعض الاخر وهذا البعض أيضا لآخر حتى ينتهي إلى أهل العبادة وهم العابدون المخلوقون للعبادة فصح ان العبادة غاية للكل نظير بناء الحديقة وغرس الشجرة لثمرتها أو لمنافعها المالية فالآية الثانية تنسخ إطلاق الآية الأولى، وفي تفسير النعماني أيضا عنه عليه السلام: قال: ونسخ قوله تعالى:
(وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) قوله: (الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر). أقول: ليست الآيتان من قبيل العام والخاص لقوله تعالى: كان على ربك حتما مقضيا، والقضاء الحتم غير قابل الرفع ولا ممكن الابطال ويظهر معنى هذا النسخ مما سيجئ إنشاء الله في قوله: (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) الأنبياء - 101.
وفي تفسير العياشي عن الباقر عليه السلام: ان من النسخ البداء المشتمل عليه قوله تعالى: يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب، ونجاة قوم يونس.
أقول: والوجه فيه واضح.
وفي بعض الاخبار عن أئمة أهل البيت عد عليه السلام موت إمام وقيام إمام آخر مقامه من النسخ.
أقول: وقد مر بيانه، والاخبار في هذه المعاني كثيرة مستفيضة.
وفي الدر المنثور أخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن