أحدهما: أنهم ينافقون فيتظاهرون بالايمان صونا لأنفسهم من الايذاء والطعن والقتل.
وثانيهما: أنهم يريدون تعمية الامر وإبهامه على الله سبحانه العالم بسرهم وعلانيتهم وذلك أن العامة منهم، وهم أولوا بساطة النفس ربما كانوا ينبسطون للمؤمنين، فيحدثونهم ببعض ما في كتبهم من بشارات النبي أو ما ينفع المؤمنين في تصديق النبوة، كما يلوح من لحن الخطاب فكان أولياؤهم ينهونهم معللا بأن ذلك مما فتح الله لهم، فلا ينبغي أن يفشى للمؤمنين، فيحاجوهم به عند ربهم كأنهم لو لم يحاجوهم به عند ربهم لم يطلع الله عليه فلم يؤاخذهم بذلك ولازم ذلك أن الله تعالى إنما يعلم علانية الامر، دون سره وباطنه وهذا من الجهل بمكان، فرد الله سبحانه عليهم بقوله: (أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون الآية) فإن هذا النوع من العلم - وهو ما يتعلق بظاهر الامر دون باطنه - إنما هو العلم المنتهي إلى الحس الذي يفتقر إلى بدن مادي مجهز بآلات مادية مقيد بقيود الزمان والمكان مولود لعلل أخرى مادية وما هو كذلك مصنوع من العالم لا صانع العالم.
وهذا أيضا من شواهد ما قدمناه آنفا أن بني إسرائيل لاذعانهم بأصالة المادة كانوا يحكمون في الله سبحانه بما للمادة من الاحكام، فكانوا يظنونه موجودا فعالا في المادة مستعليا قاهرا عليه، ولكن بعين ما تفعل علة مادية وتستعلي وتقهر على معلول مادي، وهذا أمر لا يختص به اليهود، بل هو شأن كل من يذعن بأصالة المادة من المليين وغيرهم، فلا يحكمون في ساحة قدسه سبحانه إلا بما يعقلون من أوصاف الماديات من الحياة والعلم والقدرة والاختيار والإرادة والقضاء والحكم وتدبير الامر وإبرام القضاء إلى غير ذلك، وهذا داء لا ينجع معه دواء، وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يعقلون، حتى آل الامر إلى أن استهزأ بهم من لا مسكة له في دينهم الحق ولا قدم له في معارفهم الحقة، قائلا أن المسلمين يروون عن نبيهم ان الله خلق آدم على صورته وهم معاشر أمته يخلقون الله على صورة آدم، فهؤلاء يدور أمرهم بين أن يثبتوا لربهم جميع احكام المادة، كما يفعله المشبهة من المسلمين أو من يتلو تلوهم وإن لم يعرف بالتشبيه، أو لا يفهموا شيئا من أوصاف جماله، فينفوا الجميع بارجاعها إلى السلوب قائلا أن ما يبين أوصافه تعالى من الألفاظ إنما يقع عليه بالاشتراك اللفظي