ولا ترى رذيلة من رذائل بني إسرائيل في قسوتهم وجفوتهم مما ذكره القرآن إلا وهو موجود فيهم، وكيف كان فأنت إذا تأملت قصص بني إسرائيل المذكورة في القرآن، وأمعنت فيها، وما فيها من أسرار أخلاقهم وجدت أنهم كانوا قوما غائرين في المادة مكبين على ما يعطيه الحس من لذائذ الحياة الصورية، فقد كانت هذه الأمة لا تؤمن بما وراء الحس، ولا تنقاد إلا إلى اللذة والكمال المادي وهم اليوم كذلك. وهذا الشأن هو الذي صير عقلهم وإرادتهم تحت انقياد الحس والمادة، لا يعقلون إلا ما يجوزانه، ولا يريدون إلا ما يرخصان لهم ذلك فانقياد الحس يوجب لهم أن لا يقبلوا قولا إلا إذا دل عليه الحس، وإن كان حقا وانقياد المادة اقتضى فيهم أن يقبلوا كل ما يريده أو يستحسنه لهم كبراؤهم ممن أوتي جمال المادة، وزخرف الحياة وإن لم يكن حقا، فأنتج ذلك فيهم التناقض قولا وفعلا، فهم يذمون كل اتباع باسم أنه تقليد وإن كان مما ينبغي إذا كان بعيدا من حسهم، ويمدحون كل اتباع باسم أنه حظ الحياة، وان كان مما لا ينبغي إذا كان ملائما لهوساتهم المادية، وقد ساعدهم على ذلك وأعانهم على مكثهم الممتد وقطونهم الطويل بمصر تحت استذلال المصريين، واسترقاقهم، وتعذيبهم، يسومونهم سوء العذاب ويذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم وفي ذلك بلاء من ربهم عظيم.
وبالجملة فكانوا لذلك صعبة الانقياد لما يأمرهم به أنبيائهم، والربانيون من علمائهم مما فيه صلاح معاشهم ومعادهم (تذكر في ذلك مواقفهم مع موسى وغيره) وسريعة اللحوق إلى ما يدعوهم المغرضون والمستكبرون منهم.
وقد ابتليت الحقيقة والحق اليوم بمثل هذه البلية بالمدنية المادية التي أتحفها إليها عالم الغرب، فهي مبنية القاعدة على الحس والمادة فلا يقبل دليل فيما بعد عن الحس ولا يسأل عن دليل فيما تضمن لذة مادية حسية، فأوجب ذلك إبطال الغريزة الانسانية في أحكامها وارتحال المعارف العالية والأخلاق الفاضلة من بيننا فصار يهدد الانسانية بالانهدام، وجامعة البشر بأشد الفساد وليعلمن نبأه بعد حين.
واستيفاء البحث في الأخلاق ينتج خلاف ذلك، فما كل دليل بمطلوب، وما كل تقليد بمذموم، بيان ذلك: أن النوع الانساني بما أنه إنسان إنما يسير إلى كماله