فلقولنا: انه موجود ثابت عالم قادر حي معان لا نفهمها ولا نعقلها، فاللازم إرجاع معانيها إلى النفي، فالمعنى مثلا أنه ليس بمعدوم، ولا زائل، ولا جاهل، ولا عاجز ولا ميت فاعتبروا يا أولي الابصار فهذا بالاستلزام زعم منهم بأنهم يؤمنون بما لا يدرون، ويعبدون ما لا يفهمون، ويدعون إلى ما لا يعقلون، ولا يعقله أحد من الناس، وقد كفتهم الدعوة الدينية مؤنة هذه الأباطيل بالحق فحكم على العامة أن يحفظوا حقيقة القول ولب الحقيقة بين التشبيه والتنزيه فيقولوا: ان الله سبحانه شئ لا كالأشياء وأن له علما لا كعلومنا، وقدرة لا كقدرتنا وحياة لا كحياتنا، مريد لا بهمامة، متكلم لا بشق فم، وعلى الخاصة أن يتدبروا في آياته ويتفقهوا في دينه فقد قال الله سبحانه: (هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) الزمر - 9، والخاصة كما لا يساوون العامة في درجات المعرفة، كذلك لا يساوونهم في التكاليف المتوجهة إليهم، فهذا هو التعليم الديني النازل في حقهم لو أنهم كانوا يأخذون به.
قوله تعالى: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب الا أماني، الأمي من لا يقرأ ولا يكتب منسوب إلى الام لان عطوفة الام وشفقتها كانت تمنعها أن ترسل ولدها إلى المعلم وتسلمه إلى تربيته، فكان يكتفي بتربية الام، والأماني جمع أمنية، وهي الأكاذيب، فمحصل المعنى انهم بين من يقرأ الكتاب ويكتبه فيحرفه وبين من لا يقرأ ولا يكتب ولا يعلم من الكتاب الا أكاذيب المحرفين.
قوله تعالى: فويل للذين يكتبون، الويل هو الهلكة والعذاب الشديد والحزن والخزي والهوان وكل ما يحذره الانسان أشد الحذر والاشتراء هو الابتياع.
قوله تعالى: فويل لهم مما كسبت أيديهم وويل لهم الخ، الضمائر إما راجعة إلى بني إسرائيل أو لخصوص المحرفين منهم ولكل وجه وعلى الأول يثبت الويل للأميين منهم أيضا.
قوله تعالى: بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته الخ، الخطيئة هي الحالة الحاصلة للنفس من كسب السيئة، ولذلك أتي بإحاطة الخطيئة بعد ذكر كسب