قوله تعالى: فتوبوا إلى بارئكم البارئ من الأسماء الحسنى كما قال تعالى:
(هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى) الحشر - 24، وقع في ثلاث مواضع من كلامه تعالى: اثنان منها في هذه الآية ولعله خص بالذكر هيهنا من بين الأسماء الملائمة معناه للمورد لأنه قريب المعنى من الخالق والموجد، من برء يبرء برائا إذا فصل لأنه يفصل الخلق من العدم أو الانسان من الأرض، فكأنه تعالى يقول: هذه التوبة وقتلكم أنفسكم وإن كان أشق ما يكون من الأوامر لكن الله الذي أمركم بهذا الفناء والزوال بالقتل هو الذي برئكم فالذي أحب وجودكم وهو خير لكم هو يحب الآن حلول القتل عليكم فهو خير لكم وكيف لا يحب خيركم وقد برئكم، فاختيار لفظ البارئ بإضافته إليهم في قوله: إلى بارئكم، وقوله عند بارئكم للاشعار بالاختصاص لاثارة المحبة.
قوله تعالى: ذلكم خير لكم عند بارئكم ظاهر الآية وما تقدمها أن هذه الخطابات وما وقع فيها من عد أنواع تعدياتهم ومعاصيهم إنما نسبت إلى الكل مع كونها صادرة عن البعض لكونهم جامعة ذات قومية واحدة يرضى بعضهم بفعل بعض، وينسب فعل بعضهم إلى آخرين. لمكان الوحدة الموجودة فيهم، فما كل بني إسرائيل عبدوا العجل، ولا كلهم قتلوا الأنبياء إلى غير ذلك من معاصيهم وعلى هذا فقوله تعالى: فاقتلوا أنفسكم، إنما يعني به قتل البعض وهم الذين عبدوا العجل كما يدل عليه أيضا قوله تعالى: إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل، وقوله تعالى: ذلكم خير لكم عند بارئكم تتمة الحكاية من قول موسى كما هو الظاهر، وقوله تعالى: فتاب عليكم يدل على نزول التوبة وقبولها، وقد وردت الرواية أن التوبة نزلت ولما يقتل جميع المجرمين منهم.
ومن هنا يظهر أن الامر كان أمرا امتحانيا نظير ما وقع في قصة رؤيا إبراهيم عليه السلام وذبح إسماعيل (يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) الصافات - 105، فقد ذكر موسى عليه السلام فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم، وأمضى الله سبحانه قوله عليه السلام وجعل قتل البعض قتلا للكل وأنزل التوبة بقوله: فتاب عليكم