هي الحافظة لحماها عن تعدي الافراد المتهوسين وتساهل آخرين، ولذلك كلما قويت حكومة (أي حكومة كانت) على إجراء مقررات الجزاء لم يتوقف المجتمع في سيره ولا ضل سائره عن طريقه ومقصده، وكلما ضعفت اشتد الهرج والمرج في داخله وانحرف عن مسيره فمن التعاليم اللازمة تثبيتها في الاجتماع تلقين أمر الجزاء، وإيجاد الايمان به في نفوس الافراد، ومن الواجب الاحتراز من أن يدخل في نفوسهم رجاء التخلص عن حكم الجزاء، وتبعة المخالفة والعصيان، بشفاعة أو رشوة أو بشئ من الحيل والدسائس المهلكة، ولذلك نقموا على الديانة المسيحية ما وقع فيها أن المسيح فدى الناس في معاصيهم بصلبه، فالناس يتكلون عليه في تخليصهم من يد القضاء يوم القيامة ويكون الدين إذ ذاك هادما للانسانية، مؤخرا للمدنية، راجعا بالانسان القهقرى كما قيل. وان الاحصاء يدل من أن المتدينين أكثر كذبا وأبعد من العدل من غيرهم وليس ذلك إلا انهم يتكلون بحقية دينهم، وادخار الشفاعة في حقهم ليوم القيامة، فلا يبالون ما يعملون بخلاف غيرهم، فإنهم خلوا وغرائزهم وفطرهم ولم يبطل حكمها بما بطل به في المتدينين فحكمت بقبح التخلف عما يخالف حكم الانسانية والمدنية الفاضلة.
وبذلك عول جمع من الباحثين في تأويل ما ورد في خصوص الشفاعة في الاسلام وقد نطق به الكتاب وتواترت عليه السنة. ولعمري لا الاسلام تثبت الشفاعة بالمعنى الذي فسروها به، ولا الشفاعة التي تثبتها تؤثر الأثر الذي زعموه لها، فمن الواجب أن يحصل الباحث في المعارف الدينية وتطبيق ما شرعه الاسلام على هيكل الاجتماع الصالح والمدنية الفاضلة تمام ما رامه الاسلام من الأصول والقوانين المنطبقة على الاجتماع كيفية ذلك التطبيق، ثم يحصل ما هي الشفاعة الموعودة وما هو محلها وموقعها بين المعارف التي جاء بها.
فيعلم اولا: أن الذي يثبته القرآن من الشفاعة هو ان المؤمنين لا يخلدون في النار يوم القيامة بشرط أن يلاقوا ربهم بالايمان المرضي والدين الحق فهو وعد وعده القرآن مشروطا ثم نطق بأن الايمان من حيث بقائه على خطر عظيم من جهة الذنوب ولا سيما الكبائر ولا سيما الادمان منها والامرار فيها، فهو شفا جرف الهلاك الدائم،