والاحتمال الأول غير صحيح لقوله تعالى: (فوسوس لهما الشيطان وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين. وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين) الآيتان فهما قد كانا حين اقتراف الخطيئة واقتراب الشجرة على ذكر من النهي، وقد قال تعالى: فنسي ولم نجد له عزما) فالعهد المذكور ليس هو النهى عن قرب الشجرة وأما الاحتمال الثاني (وهو ان يكون العهد المذكور هو التحذير عن اتباع إبليس فهو وان لم يكن بالبعيد كل البعيد، لكن ظواهر الآيات لا تساعد عليه فإن العهد مخصوص بآدم عليه السلام كما هو ظاهر الآية.
مع أن التحذير عن إبليس كان لهما معا، وأيضا ذيل الآيات وهو على طبق صدرها في سورة طه يناسب العهد بمعنى الميثاق الكلي، لا العهد بمعنى التحذير عن إبليس، قال تعالى: (فاما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى الآيات) فبحسب التطبيق ينطبق قوله تعالى: (ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا) على نسيان العهد وهو كما ترى مع العهد بمعنى الميثاق على الربوبية والعبودية أنسب منه مع التحذير من إبليس، إذ لا كثير مناسبة بحسب المفهوم بين الاعراض عن الذكر واتباع إبليس، واما الميثاق على الربوبية فهو له انسب، فان الميثاق على الربوبية هو ان لا ينسى الانسان كونه تعالى ربا له أي مالكا مدبرا أي لا ينسى الانسان أبدا ولا في حال أنه مملوك طلق لا يملك لنفسه شيئا لا نفعا وضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، أي لا ذاتا ولا وصفا ولا فعلا.
والخطيئة التي تقابله هو إعراض الانسان عن ذكر مقام ربه والغفلة عنه بالالتفات إلى نفسه أو ما يعود ويرجع إلى نفسه من زخارف الحياة الدنيا الفانية البالية هذا.
لكنك إذا أمعنت النظر في الحياة الدنيا على اختلاف جهاتها وتشتت أطرافها وأنحائها ووحدتها واشتراكها بين المؤمن والكافر وجدتها بحسب الحقيقة والباطن مختلفة في الموردين بحسب ذوق العلم بالله تعالى والجهل به فالعارف بمقام ربه إذا نظر إلى نفسه وكذلك إلى الحياة الدنيا الجامعة لاقسام الكدورات وأنواع الآلام وضروب المكاره من موت وحياة، وصحة وسقم، وسعة واقتار، وراحة وتعب، ووجدان وفقدان.