فبعث إلى الغلام فقال: لقد بلغ من أمرك أن تشفي الأكمه والأبرص. قال: ما أشفي أحدا، ولكن الله ربي يشفي. قال: أو إن لك ربا غيري؟ قال: نعم ربي وربك الله. فأخذه فلم يزل به حتى دله على الراهب. فوضع المنشار عليه فنشره حتى وقع شقين، وقال للغلام: إرجع عن دينك فأبى. فأرسل معه نفرا. وقال:
إصعدوا به جبل كذا وكذا، فإن رجع عن دينه، وإلا فدهدهوه منه. قال: فعلوا به الجبل، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت. قال: فرجف بهم الجبل فتدهدهوا أجمعون، وجاء إلى الملك فقال: ما صنع أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فأرسل به مرة أخرى، قال: انطلقوا به فلججوه في البحر، فإن رجع وإلا فغرقوه. فانطلقوا به في قرقور (1) فلما توسطوا به البحر قال: اللهم اكفنيهم بما شئت. قال: فانكفأت بهم السفينة، وجاء حتى قام بين يدي الملك. فقال: ما صنع أصحابك؟ قال:
كفانيهم الله. ثم قال: إنك لست بقاتلي، حتى تفعل ما آمرك به، إجمع الناس، ثم اصلبني على جذع، ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضعه على كبد القوس، ثم قل: باسم رب الغلام، فإنك ستقتلني.
قال: فجمع الناس، وصلبه، ثم أخذ سهما من كنانته، فوضعه على كبد القوس، وقال: باسم رب الغلام، ورمى فوقع السهم في صدغه، ومات. فقال الناس: آمنا برب الغلام. فقيل له: أرأيت ما كنت تخاف قد نزل والله بك، آمن الناس. فأمر بالأخدود فخددت على أفواه السكك، ثم أضرمها نارا. فقال: من رجع عن دينه فدعوه، ومن أبى فأقحموه فيها، فجعلوا يقتحمونها. وجاءت امرأة بابن لها، فقال لها: يا أمه اصبري فإنك على الحق.
وقال ابن المسيب: كنا عند عمر بن الخطاب إذ ورد عليه أنهم احتفروا، فوجدوا ذلك الغلام، وهو واضع يده على صدغه، فكلما مدت يده عادت إلى صدغه، فكتب عمر: واروه حيث وجدتموه، وروى سعيد بن جبير، قال: لما انهزم أهل اسفندهان، قال عمر بن الخطاب: ما هم يهود، ولا نصارى، ولا لهم كتاب، وكانوا مجوسا. فقال علي بن أبي طالب (ع): بل قد كان لهم كتاب، ولكنه رفع، وذلك أن ملكا لهم سكر، فوقع على ابنته، أو قال: على أخته، فلما أفاق قال لها:
كيف المخرج مما وقعت فيه؟ قالت: تجمع أهل مملكتك، وتخبرهم أنك ترى نكاح