على جنات الدنيا التي يحتاج صاحبها إلى المشقة والعناء. ثم استفهم سبحانه على وجه الانكار فقال: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين) أي لا نجعل المسلمين كالمشركين في الجزاء والثواب، وذلك أنهم كانوا يقولون: إن كان بعث وجزاء، كما يقوله محمد، فإن حالنا يكون أفضل في الآخرة، كما في الدنيا، فأخبر سبحانه أن ذلك لا يكون أبدا. (ما لكم كيف تحكمون) هذا تهجين لهم، وتوبيخ، ومعناه:
أي عقل يحملكم على تفضيل الكفار حتى صار سببا لاصراركم على الكفر، ولا يحسن في الحكمة التسوية بين الأولياء والأعداء في دار الجزاء.
(أم لكم كتاب فيه تدرسون) معناه: بل ألكم كتاب تدرسون فيه ذلك، فأنتم متمسكون به، لا تلتفتون إلى خلافه، فإذا قد عدمتم الثقة بما أنتم عليه وفي الكتاب الذي هو القرآن عليكم أكبر الحجة، لأنه الدلالة القائمة إلى وقت قيام الساعة، والمعجزة الشاهدة بصدق من ظهرت على يده (إن لكم فيه لما تخيرون) فيه وجهان أحدهما: إن تقديره أم لكم كتاب فيه تدرسون، بأن لكم فيه ما تخيرون، إلا أنه حذف الباء، وكسرت (إن) لدخول اللام في الخبر والثاني: إن معناه إن لكم لما تخيرونه عند أنفسكم، والأمر بخلاف ذلك. ولا يجوز أن يكون ذلك على سبيل الخير المطلق (أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة) أي: بل لكم عهود ومواثيق علينا، عاهدناكم بها، فلا ينقطع ذلك إلى يوم القيامة. (إن لكم لما تحكمون) لأنفسكم به من الخير والكرامة عند الله تعالى. وقيل: بالغة معناها مؤكدة، وكل شئ متناه في الجودة والصحة، فهو بالغ.
ثم قال سبحانه لنبيه: (سلهم) يا محمد (أيهم بذلك زعيم) يعني أيهم كفيل بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين (أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين) معناه. أم لهم شركاء في العبادة مع الله، وهي الأصنام، فليأتوا بهؤلاء الشركاء إن كانوا صادقين في أنها شركاء الله. وقيل. معناه أم لهم شهداء يشهدون لهم بالصدق، فتقوم به الحجة، فليأتوا بهم يوم القيامة يشهدون لهم على صحة دعواهم، إن كانوا صادقين في دعواهم (يوم يكشف عن ساق) أي فليأتوا بهم في ذلك اليوم الذي تظهر فيه الأهوال والشدائد. وقيل. معناه يوم يبدو عن الأمر الشديد الفظيع، عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير. قال عكرمة: سأل ابن عباس عن قوله (يوم يكشف عن ساق) فقال: إذا خفي عليكم شئ في القرآن