فابتغوه في الشعر، فإنه ديوان العرب أما سمعتم قول الشاعر: (وقامت الحرب بنا على ساق) هو يوم كرب وشدة. وقال القتيبي: أصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم، يحتاج إلى الجد فيه، يشمر عن ساقه، فاستعير الكشف عن الساق في موضع الشدة، وأنشد لدريد بن الصمة:
كميش الإزار خارج نصف ساقه، * بعيد من الآفات، طلاع أنجد (1) فتأويل الآية: يوم يشتد الأمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلى أن يكشف عن ساق (ويدعون إلى السجود) أي يقال لهم على وجه التوبيخ اسجدوا (فلا يستطيعون) وقيل. معناه إن شدة الأمر، وصعوبة ذلك اليوم، تدعوهم إلى السجود، وإن كانوا لا ينتفعون به ليس أنهم يؤمرون به. وهكذا كما يفزع الانسان إلى السجود إذا أصابه هول من أهوال الدنيا (خاشعة أبصارهم) أي ذليلة أبصارهم، لا يرفعون نظرهم عن الأرض ذلة ومهانة (ترهقهم ذلة) أي تغشاهم ذلة الندامة والحسرة.
(وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) أي أصحاء يمكنهم السجود فلا يسجدون، يعني أنهم كانوا يؤمرون بالصلاة في الدنيا، فلم يفعلوا. قال سعيد بن جبير: كانوا يسمعون حي على الفلاح، فلا يجيبون. وقال كعب الأحبار: والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات. وقد ورد عن الربيع بن خيثم أنه عرض له الفالج، فكان يهادى بين رجلين إلى المسجد. فقيل له: يا أبا يزيد! لو جلست فإن لك رخصة؟ قال: من سمع حي على الفلاح فليجب ولو حبوا. وروي عن أبي جعفر، وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا في هذه الآية: أفحم القوم، ودخلتهم الهيبة، وشخصت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، لما رهقهم من الندامة والخزي والمذلة، وقد كانوا يدعون إلى السجود، وهم سالمون أي: يستطيعون الأخذ بما أمروا به، والترك لما نهوا عنه، ولذلك ابتلوا. وقال مجاهد، وقتادة: يؤذن المؤذن يوم القيامة فيسجد المؤمن، وتصلب ظهور المنافقين، فيصير سجود المسلمين حسرة على المنافقين، وندامة. وفي الخبر: (إنه تصير ظهور المنافقين كالسفافيد) (2).