تكون في النطفة، عن ابن مسعود. وقيل: أمشاج أخلاط من الطبائع التي تكون في الانسان من الحرارة، والبرودة، واليبوسة، والرطوبة، جعلها الله في النطفة، ثم بناه الله البنية الحيوانية المعدلة الأخلاط. ثم جعل فيه الحياة. ثم شق له السمع والبصر. فتبارك الله رب العالمين وذلك قوله: (فجعلناه سميعا بصيرا) وقوله (نبتليه) أي نختبره بما نكلفه من الأفعال الشاقة ليظهر إما طاعته، وإما عصيانه، فنجازيه بحسب ذلك. قال الفراء معناه (فجعلناه سميعا بصيرا) لنبتليه أي: لنتعبده ونأمره وننهاه والمراد فأعطيناه آلة السمع والبصر، ليتمكن من السمع والبصر، ومعرفة ما كلف.
(إنا هديناه السبيل) أي بينا له الطريق، ونصبنا له الأدلة، وأزحنا له العلة، حتى يتمكن من معرفة الحق والباطل. وقيل: هو طريق الخير والشر، عن قتادة.
وقيل: السبيل هو طريق معرفة الدين الذي به يتوصل إلى ثواب الأبد، ويلزم كل مكلف سلوكه، وهو أدلة العقل والشرع التي يعم جميع المكلفين (إما شاكرا وإما كفورا) قال الفراء: معناه إن شكر وإن كفر على الجزاء. وقال الزجاج: معناه ليختار إما السعادة وإما الشقاوة، والمراد إما أن يختار بحسن اختياره الشكر لله تعالى، والاعتراف بنعمه، فيصيب الحظ. وإما أن يكفر نعم الله، ويجحد إحسانه، فيكون ضالا عن الصواب، فأيهما اختار جوزي عليه بحسبه. وهذا كقوله (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وفي هذه الآية دلالة على أن الله قد هدى جميع خلقه، لأن اللفظ عام.
ثم بين سبحانه ما أعده للكافرين فقال: (إنا اعتدنا للكافرين) أي هيأنا وادخرنا لهم جزاء على كفرانهم وعصيانهم (سلاسل) يعني في جهنم كما قال في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا (وأغلالا وسعيرا) نار موقدة نعذبهم بها، ونعاقبهم فيها.
ثم ذكر ما أعده للشاكرين المطيعين فقال: (إن الأبرار) وهو جمع البر المطيع لله المحسن في أفعاله. وقال الحسن: هم الذين لا يؤذون الذر، ولا يرضون الشر.
وقيل: هم الذين يقضون الحقوق اللازمة والنافلة. وقد أجمع أهل البيت عليه السلام وموافقوهم، وكثير من مخالفيهم، أن المراد بذلك: علي، وفاطمة، والحسن والحسين عليه السلام. والآية مع ما بعدها متعينة فيهم. وأيضا فقد انعقد الاجماع على أنهم كانوا أبرارا، وفي غير هم خلاف.