أمرته أن لا يطيع الاثنين. وإذا قلت: لا تطع منهم آثما أو كفورا فأو قد دلت على أن كل واحد منهما أهل أن يعصى، وأنهما أهل أن يعصيا، كما أنك إذا قلت: جالس الحسن، أو ابن سيرين، فقد قلت كل واحد منهما أهل أن يجالس. قال البصير النحوي: أو هذه التي للتخيير، إذا قلت اضرب زيدا أو عمرا، فمعناه اضرب أحدهما. فإذا قلت لا تضرب زيدا أو عمرا، فمعناه لا تضرب أحدهما، فيحرم عليه ضربهما، لأن أحدهما في النفي يعمم. وابن كيسان يحمل النهي على الأمر، فيقول: إذا قال لا تضرب أحدهما، لم يحرم علي ضربهما، وإنما حرم في الآية طاعتهما، لأن أحدهما بمنزلة الآخر في امتناع الطاعة له، ألا ترى أن الآثم مثل الكفور في هذا المعنى. قال سيبويه: ولو قال لا تطع آثما ولا تطع كفورا، لانقلب المعنى إذ ذاك، لأنه حينئذ لا تحرم طاعتهما كليهما.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن نفسه فقال: (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا) فيه شرف وتعظيم لك. وقيل: معناه فصلناه في الإنزال آية بعد آية، ولم ننزله جملة واحدة، عن ابن عباس (فاصبر) يا محمد على ما أمرتك به من تحمل أعباء الرسالة (لحكم ربك) أن تبلغ الكتاب، وتعمل به. وقيل: إنه أمر لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر، وإن كذب فيما أتى به، ووعيد لمن كذبه. (ولا تطع منهم) أي من مشركي مكة (آثما) يعني عتبة بن ربيعة (أو كفورا) يعني الوليد بن المغيرة، فإنهما قالا له: إرجع عن هذا الأمر، ونحن نرضيك بالمال والتزويج، عن مقاتل. وقيل: الكفور أبو جهل، نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة، وقال: لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن عنقه فنزلت الآية. عن قتادة. وقيل: إن ذلك عام في كل عاص فاسق وكافر منهم أي من الناس، أي لا تطع من يدعوك إلى إثم أو كفر. وهذا أولى لزيادة الفائدة، وعدم التكرير.
(واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا) أي أقبل على شأنك من ذكر الله، والدعاء إليه، وتبليغ الرسالة صباحا ومساء أي دائما، فإن الله ا ومؤيدك ومعينك.
والبكرة: أول النهار. والأصيل: العشي، وهو أصل الليل. (ومن الليل فاسجد له) دخلت من للتبعيض، والمعنى: فاسجد له في بعض الليل، لأنه لم يأمره بقيام الليل كله. وقيل: فاسجد له يعني صلاة المغرب والعشاء (وسبحه ليلا طويلا) أي في ليل طويل يريد التطوع بعد المكتوبة. وروي عن الرضا عليه السلام أنه سأله أحمد بن