القيامة (فلا يظهر على غيبه أحدا) أي لا يطلع على الغيب أحدا من عباده. ثم استثنى فقال: (إلا من ارتضى من رسول) يعني الرسل، فإنه يستدل على نبوتهم بأن يخبروا بالغيب، لتكون آية معجزة لهم، ومعناه: إن من ارتضاه واختاره للنبوة والرسالة، فإنه يطلعه على ما شاء من غيبه، على حسب ما يراه من المصلحة، وهو قوله: (فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا) والرصد: الطريق. أي يجعل له إلى علم ما كان قبله من الأنبياء والسلف، وعلم ما يكون بعده طريقا. وقيل: معناه أنه يحفظ الذي يطلع عليه الرسول، فيجعل من بين يديه ومن خلفه رصدا من الملائكة، يحفظون الوحي من أن تسترقه الشياطين، فتلقيه إلى الكهنة. وقيل:
رصدا من بين يدي الرسول ومن خلفه، وهم الحفظة من الملائكة، يحرسونه عن شر الأعداء وكيدهم، فلا يصل إليه شرهم. وقيل: المراد به جبرائيل أي يجعل من بين يديه ومن خلفه رصدا كالحجاب، تعظيما لما يتحمله من الرسالة، كما جرت عادة الملوك بأن يضموا إلى الرسول جماعة من خواصهم، تشريفا له. وهذا كما روي أن سورة الأنعام نزلت ومعها سبعون ألف ملك.
(ليعلم) الرسول (أن قد أبلغوا) يعني الملائكة. قال سعيد بن جبير: ما نزل جبرائيل بشئ من الوحي إلا ومعه أربعة من الملائكة حفظة، فيعلم الرسول أنه قد أبلغ الرسالة على الوجه الذي قد أمر به. وقيل: ليعلم من كذب الرسل أن الرسل قد أبلغوا رسالات الله، عن مجاهد. وقيل: ليعلم محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن الرسل قبله، قد أبلغ جميعهم (رسالات ربهم) كما أبلغ هو إذ كانوا محروسين محفوظين بحفظ الله، عن قتادة. وقيل: ليعلم الله أن قد أبلغوا، عن الزجاج. وقيل: معناه ليظهر المعلوم على ما كان سبحانه عالما، ويعلمه واقعا، كما كان يعلم أنه سيقع. وقيل: أراد ليبلغوا فجعل بدل ذلك قوله ليعلم إبلاغهم توسعا، عن الجبائي. وهذا كما يقول الانسان ما علم الله ذلك مني أي ما كان ذلك أصلا، لأنه لو كان لعلم الله ذلك، فوضع العلم موضع الكون.
(وأحاط بما لديهم) أي أحاط الله علما بما لدى الأنبياء والخلائق، وهم لا يحيطون إلا بما يطلعهم الله عليه، مما هو عند الله. (وأحصى كل شئ عددا) أي أحصى ما خلق، وعرف عدد ما خلق، لم يفته علم شئ حتى مثاقيل الذر والخردل، عن ابن عباس. وقيل: معناه عد جميع المعلومات المعدومة والموجودة