مزاجها سلسبيل، ماؤها غدق، * عذب المذاقة، لا ملح، ولا كدر والصعد: الغليظ الصعب المتصعب في العظم، ومنه التنفس الصعداء.
والصعود: العقبة الكؤود الشاقة.
المعنى: ثم قال سبحانه في تمام الحكاية عن الجن الذين آمنوا عند سماع القرآن (وأنا منا الصالحون) وهم الذين عملوا الصالحات المخلصون (ومنا دون ذلك) أي دون الصالحين في الرتبة، عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد. (كنا طرائق قددا) أي فرقا شتى على مذاهب مختلفة، وأهواء متفرقة، من مسلم، وكافر، وصالح، ودون الصالح، عن ابن عباس، ومجاهد. وقيل: قددا ألوانا شتى مختلفين، عن سعيد بن جبير، والحسن. وقيل: فرقا متباينة كل فرقة تباين صاحبتها، كما يبين المقدود بعضه من بعض. قال السدي: الجن أمثالكم فيهم قد رية، ومرجئة، ورافضة، وشيعة.
(وانا ظننا) أي علمنا وتيقنا (أن لن نعجز الله في الأرض) أي لن نفوته إذا أراد بنا أمرا (ولن نعجزه هربا) أي أنه يدركنا حيث كنا (وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به) اعترفوا بأنهم لما سمعوا القرآن الذي فيه الهدى، صدقوا به. ثم قالوا (فمن يؤمن بربه) أي يصدق بتوحيد ربه، وعرفه على صفاته (فلا يخاف) تقديره فإنه لا يخاف (بخسا) أي نقصانا فيما يستحقه من الثواب (ولا رهقا) أي لحاق ظلم، وغشيان مكروه. وكأنه قال: لا يخاف نقصا قليلا ولا كثيرا، وذلك أن أجره وثوابه موفر على أتم ما يمكن فيه. وقيل: معناه فلا يخاف نقصا من حسناته، ولا زيادة في سيئاته، عن ابن عباس والحسن وقتادة وابن زيد، قالوا: لأن البخس النقصان، والرهق العدوان، وهذه حكاية عن قوة إيمان الجن، وصحة إسلامهم.
ثم قالوا: (وأنا منا المسلمون) الذين استسلموا لما أمرهم الله سبحانه به، وانقادوا لذلك. (ومنا القاسطون) أي الجائرون عن طريق الحق (فمن أسلم) لما أمره الله به (فأولئك تحروا رشدا) أي توجهوا الرشد، والتمسوا الثواب والهدى، وتعمدوا إصابة الحق، وليسوا كالمشركين الذين ألفوا ما يدعوهم إليه الهوى، وزاغوا عن طريق الهدى (وأما القاسطون) العادلون عن طريق الحق والدين (فكانوا) في علم الله وحكمه (لجهنم حطبا) يلقون فيها، فتحرقهم كما تحرق النار الحطب، أو يكون معناه فسيكونون لجهنم حطبا توقد بهم كما توقد النار بالحطب.