إليكم، وإنما القادر على ذلك هو الله تعالى، ولكني رسول ليس علي إلا البلاغ والدعاء إلى الدين، والهداية إلى الرشاد. وهذا اعتراف بالعبودية، وإضافة الحول والقوة إليه تعالى. ثم قال. (قل) لهم يا محمد (إني لن يجيرني من الله أحد) أي لا يمنعني أحد مما قدره الله علي (ولن أجد من دونه) أي من دون الله (ملتحدا) أي ملتجأ إليه أطلب به السلامة (إلا بلاغا من الله) أي تبليغا من الله آياته (ورسالاته) فإنه ملجأي ومنجاي وملتحدي، ولي فيه الأمن والنجاة، عن الحسن، والجبائي.
وقيل: معناه لا أملك لكم، ضرا ولا رشدا، فما علي إلا البلاغ عن الله. فكأنه قال:
لا أملك شيئا سوى تبليغ وحي الله بتوفيقه وعونه، عن قتادة.
وقيل: إن قوله (إلا بلاغا) يحتمل معنيين أحدهما: إلا ما بلغني من الله أي:
لا يجيرني شئ إلا ما أتاني من الله، فلا فرق بين أن يقول بلغني كتابه، وأن يقول أتاني كتابه والثاني: إلا تبليغ ما أنزل إلي. فأما القبول والإيمان فليس إلي، وإنما ذلك إليكم، عن أبي مسلم. وقيل. إنه عطف رسالاته على البلاغ، فوجب أن يكون غيره، فالأولى أن يكون أراد بالبلاغ ما بلغه من توحيد الله وعدله، وما يجوز عليه، وما لا يجوز. وأراد بالرسالة ما أرسل لأجله من بيان الشرائع.
ولما بين سبحانه أنه لا ملجأ من عذابه إلا طاعته، عقبه بوعيد من قارف معصيته فقال: (ومن يعص الله ورسوله) أي خالف أمره في التوحيد، وارتكب الكفر والمعاصي (فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا) جزاء على ذلك (حتى إذا رأوا) في الآخرة (ما يوعدون) به من العقاب في الدنيا. وقيل: هو عذاب الاستئصال (فسيعلمون) عند ذلك (من أضعف ناصرا وأقل عددا) المشركون أم المؤمنون.
وقيل: أجند الله أم الذي عبده المشركون. وإنما قال (من أضعف ناصرا) ولا ناصر لهم في الآخرة، لأنه جاء على جواب من توهم أنه إن كانت الآخرة فناصرهم أقوى وعددهم أكثر. وفي هذا دلالة على أن المراد بقوله: (ومن يعص الله ورسوله) الكفار. وكانوا يفتخرون على النبي بكثرة جموعهم، ويصفونه بقلة العدد، فبين سبحانه أن الأمر سينعكس عليهم.
(قل) يا محمد (إن أدري) أي لست أعلم (أقريب ما توعدون) به من العذاب (أم يجعل له ربي أمدا) أي مهلة وغاية ينتهي إليها. قال عطاء: أراد أنه لا يعرف يوم القيامة إلا الله وحده (عالم الغيب) أي هو عالم الغيب يعلم متى تكون