الليل) للصلاة (إلا قليلا) والمعنى بالليل صل إلا قليلا من الليل، فإن القيام بالليل عبارة عن الصلاة بالليل (نصفه) هو بدل من الليل، فيكون بيانا للمستثنى منه أي:
قم نصف الليل، ومعناه صل من الليل النصف إلا قليلا، وهو قوله (أو انقص منه قليلا) أي من النصف.
(أو زد عليه) أي على النصف. وقال المفسرون: أو انقص من النصف قليلا إلى الثلث، أو زد على النصف إلى الثلثين. وقيل: إن نصفه بدل من القليل، فيكون بيانا للمستثنى، والمعني فيهما سواء. ويؤيد هذا القول ما روي عن الصادق عليه السلام قال: القليل النصف، أو انقص من القليل قليلا، أو زد على القليل قليلا. وقيل: معناه قم نصف الليل إلا قليلا من الليالي، وهي ليالي العذر كالمرض، وغلبة النوم، وعلة العين، ونحوها، أو انقص من النصف قليلا، أو زد عليه، ذكره الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. خير الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الساعات القيام بالليل، وجعله موكولا إلى رأيه.
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وطائفة من المؤمنين معه، يقومون على هذه المقادير، وشق ذلك عليهم، فكان الرجل منهم لا يدري كم صلى، وكم بقي من الليل. فكان يقوم الليل كله، مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب، حتى خفف الله عنهم بآخر هذه السورة. وعن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعيد بن هشام قال: قلت لعائشة أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: ألست تقرأ (يا أيها المزمل) قلت:
بلى. قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة. فقام نبي الله، وأصحابه حولا، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء، حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعا بعد أن كان فريضة. وقيل: كان بين أول السورة وآخرها الذي نزل فيه التخفيف، عشر سنين، عن سعيد بن جبير.
وقيل: كان هذا بمكة قبل فرض الصلوات الخمس، ثم نسخ بالخمس عن ابن كيسان، ومقاتل. وقيل: لما نزل أول المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان، فكان بين أولها وآخرها سنة، عن ابن عباس. وقيل: إن الآية الأخيرة نسخت الأولى، عن الحسن، وعكرمة. وليس في ظاهر الآيات ما يقتضي النسخ، فالأولى أن يكون الكلام على ظاهره، فيكون القيام بالليل سنة مؤكدة، مرغبا فيه، وليس بفرض.