أسررت، وأسررت للذين أعلنت لهم، ومعناه. إني سلكت معهم في الدعوة كل مذهب، وتلطفت لهم في ذلك غاية التلطف، فلم يجيبوا (فقلت استغفروا ربكم) أي اطلبوا منه المغفرة على كفركم ومعاصيكم (إنه كان غفارا) لكل من طلب منه المغفرة، فمتى رجعتم عن كفركم، وأطعتموه (يرسل السماء عليكم مدرارا) أي كثيرة الدرور بالغيث. وقيل: إنهم كانوا قد قحطوا وأسنتوا (1)، وهلكت أموالهم وأولادهم، فلذلك رغبهم في رد ذلك بالاستغفار مع الإيمان، والرجوع إلى الله. قال الشعبي: قحط المطر على عهد عمر بن الخطاب، فصعد المنبر ليستسقي، فلم يذكر إلا الاستغفار حتى نزل. فلما نزل قيل له: ما سمعناك استسقيت قال؟ لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء (2) التي بها يستنزل القطر، ثم قرأ هذه الآية.
(ويمددكم بأموال وبنين) أي يكثر أموالكم وأولادكم الذكور، عن عطا (ويجعل لكم جنات) أي بساتين في الدنيا (ويجعل لكم أنهارا) تسقون بها جناتكم. قال قتادة. علم نبي الله نوح أنهم كانوا أهل حرص على الدنيا، فقال:
هلموا إلى طاعة الله، فإن فيها درك الدنيا والآخرة. وروى الربيع بن صبيح. أن رجلا أتى الحسن، فشكا إليه الجدوبة، فقال له الحسن: استغفر الله. وأتاه آخر فشكا إليه الفقر، فقال له: استغفر الله. وأتاه آخر فقال. ادع الله أن يرزقني ابنا فقال له: استغفر الله. فقلنا: أتاك رجال يشكون أبوابا، ويسألون أنواعا، فأمرتهم كلهم بالاستغفار؟ فقال: ما قلت ذلك من ذات نفسي، إنما اعتبرت فيه قول الله تعالى حكاية عن نبيه نوح، إنه قال لقومه: (استغفروا ربكم) إلى آخره.
وروى علي بن مهزيار، عن حماد بن عيسى، عن محمد بن يوسف، عن أبيه قال:
سأل رجل أبا جعفر عليه السلام وأنا عنده، فقال له: جعلت فداك إني كثير المال، وليس يولد لي ولد، فهل من حيلة؟ قال: نعم استغفر ربك سنة في آخر الليل مئة مرة، فإن ضيعت ذلك بالليل فاقضه بالنهار، فإن الله يقول (استغفروا ربكم) إلى آخره.
ثم قال نوح (ع) لهم على وجه التبكيت: (ما لكم) معاشر الكفار (لا