ثم عاد سبحانه إلى ذكر نوح عليه السلام بقوله: (قال نوح) على سبيل الدعاء (رب إنهم عصوني) " فيما أمرتهم به، ونهيتهم عنه يعني قومه (واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا) أي واتبعوا أغنياء قومهم اغترارا بما آتاهم الله من المال والولد، فقالوا: لو كان هذا رسولا لله، لكان له ثروة وغنى. وقرئ ولده وولده بالضم والفتح. فالولد: الجماعة من الأولاد. والولد. الواحد. وقيل: هما سواء.
والخسار: الهلاك بذهاب رأس المال. وقيل: إن معناه اتبع الفقراء والسفلة الرؤساء الذين لم يزدهم كثرة المال والأولاد إلا هلاكا في الدنيا، وعقوبة في الآخرة (ومكروا) في دين الله (مكرا كبارا) أي كبيرا عظيما، عن الحسن. وقيل. معناه قالوا قولا عظيما، عن ابن عباس. وقيل. اجترأوا على الله، وكذبوا رسله، عن الضحاك. وقيل: مكرهم تحريشهم (1) سفلتهم على قتل نوح عليه السلام. (وقالوا لا تذرن آلهتكم) أي لا تتركوا عبادة أصنامكم.
ثم خصوا أصناما لهم معروفة بعد دخولها في الجملة الأولى تعظيما لها فقالوا:
(ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) وهذه أسماء أصنام كانوا يعبدونها، ثم عبدتها العرب فيما بعد، عن ابن عباس، وقتادة. وقيل: إن هذه أسماء قوم صالحين، كانوا بين آدم ونوح عليه السلام، فنشأ قوم بعدهم يأخذون أخذهم في العبادة، فقال لهم إبليس: لو صورتم صورهم، كان أنشط لكم، وأشوق إلى العبادة. ففعلوا فنشأ بعدهم قوم فقال لهم إبليس: إن الذين كانوا قبلكم، كانوا يعبدونهم، فعبدوهم. فمبدأ عبادة الأوثان كان ذلك الوقت، عن محمد بن كعب.
وقيل: كان نوح يحرس جسد آدم على جبل بالهند، ويحول بينه وبين الكفار، لئلا يطوفوا بقبره، فقال لهم إبليس: إن هؤلاء يفخرون عليكم، ويزعمون أنهم بنو آدم دونكم، وإنما هو جسد، وأنا أصور لكم مثله، تطيفون به. فنحت خمسة أصنام، وحملهم على عبادتها، وهي: ود، وسواع، ويعوق، ويغوث، ونسر.
فلما كان أيام الغرق، دفن الطوفان تلك الأصنام، وطمها التراب (2). فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب، فاتخذت قضاعة ودا فعبدوها بدومة